الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَىٰ وَهَـٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ بِآيَـٰتِنَا فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } * { قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } * { فَلَمَّآ أَلْقَواْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } * { فَقَالُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } * { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

بيان ثم ساق الله سبحانه نبأ موسى وأخيه ووزيره هارون مع فرعون وملئه وقد أوجز في القصة غير أنه ساقها سوقاً ينطبق بفصولها على المحصل من حديث بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته عتاة قومه والطواغيت من قريش وغيرهم، وعدم إيمانهم به إلا ضعفاؤهم الذين كانوا يفتنونهم حتى التجأوا إلى الهجرة فهاجر هو صلى الله عليه وآله وسلم وجمع من المؤمنين به إلى المدينة فعقبه فراعنة هذه الأُمة وملؤهم فأهلكهم الله بذنوبهم وبوأ الله المؤمنين ببركة الإِسلام مبوأ صدق ورزقهم من الطيبات ثم اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم وسيقضي الله بينهم. فكان ذلك كله تصديقاً لما أسرّ الله سبحانه إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآيات فيما سيستقبله وقومه من الحوادث، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم يخاطب أصحابه وأُمته لتتبعن سنّة بني إسرائيل حتى أنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قوله تعالى { ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون } الخ، أي ثم بعثنا من بعد نوح والرسل الذين من بعده موسى وأخاه هارون بآياتنا إلى فرعون والجماعة الذين يختصّون به من قومه وهم القبط فاستكبروا عن آياتنا وكانوا مستمرين على الإِجرام. قوله تعالى { فلما جاءهم الحق من عندنا } الخ، الظاهر أن المراد بالحق هو الآية الحقة كالثعبان واليد البيضاء، وقد جعلهما الله آية لرسالته بالحق فلما جاءهم الحق { قالوا } وأكدوا القول { إن هذا } - يشيرون إلى الحق من الآية - { لسحر مبين } واضح كونه سحراً، وإنما سمّى الآية حقّاً قبال تسميتهم إياها سحراً. قوله تعالى { قال موسى أتقولون للحق لمّا جاءكم أسحر هذا } الخ، أي فلمّا سمع مقالتهم تلك ورميهم الحق بأنه سحر مبين قال لهم منكراً لقولهم في صورة الاستفهام { أتقولون للحق لمّا جاءكم } إنّه لسحر؟ ثم كرّر الإِنكار مستفهماً بقوله { أسحر هذا }؟ فمقول القول في الجملة الاستفهامية محذوف إيجازاً لدلالة الاستفهام الثاني عليه، وقوله { ولا يفلح الساحرون } يمكن أن يكون جملة حاليّة معلّلة للإِنكار الذي يدل عليه قوله { أسحر هذا } ويمكن أن يكون إخباراً مستقلاً بياناً للواقع يبرّئ به نفسه من أن يقترف السحر لأنه يرى لنفسه الفلاح وللساحرين أنهم لا يفلحون. قوله تعالى { قالوا أجئتنا لتلفتنا عمّا وجدنا عليه آباءنا } الخ، اللفت هو الصرف عن الشيء، والمعنى قال فرعون وملؤه لموسى معاتبين له { أجئتنا لتلفتنا } وتصرفنا { عمّا وجدنا عليه آباءنا } يريدون سنّة قدمائهم وطريقتهم { وتكون لكما الكبرياء في الأرض } يعنون الرئاسة والحكومة وانبساط القدره ونفوذ الإِرادة يؤمّون بذلك أنّكما اتخذتما الدعوة الدينية وسيلة إلى إبطال طريقتنا المستقرة في الأرض، ووضع طريقة جديدة أنتما واضعان مبتكران لها موضعها تحوزان بإجرائها في الناس وإيماننا بكما وطاعتنا لكما الكبرياء والعظمة في المملكة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10