الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } * { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

بيان الآيات تنبئ عن سنّة إلهية جارية، وهي أن الله سبحانه قضى قضاء حق لا يرد ولا يبدّل أن يرسل إلى كل أُمة رسولاً يبلّغهم رسالته ثم يحكم بينه وبينهم حكماً فصلاً بإنزال العذاب عليهم وإنجاء المؤمنين وإهلاك المكذّبين. ثم تأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يخبرهم أن هذه الأُمة يجري فيهم ما جرى في الأُمم الماضية من السنّة الإِلهية من غير أن يستثنوا من كلّيتها غير أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يذكر لهم فيما لقّنه الله من جواب سؤالهم عن وقت العذاب إلا أن القضاء حتم وللأُمة عمراً وأجلاً كالفرد ينتهي إليه أمد حياتها، وأما وقت النزول فقد أُبهم إبهاماً. وقد قدمنا في قوله تعالىوما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } الأنفال 33 أن الآية لا تخلو عن إشعار بأن الأُمة ستنتزع منهم نعمة الاستغفار بعد زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فينزل عليهم العذاب، وقد تقدَّم أن الشواهد قائمة على كون الآية مدنية فهي بعد هذه الآيات المكيّة من قبيل الإِيضاح في الجملة بعد الإِبهام ومن ملاحم القرآن. وقد حمل بعض المفسرين ما وقع من حديث العذاب في هذه الآيات على عذاب الآخرة، وسياق الآيات يأبى ذلك. قوله تعالى { وإما نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفّينّك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون } إما نرينّك أصله إن نرك، زيد عليه ما والنون الثقيلة للتأكيد، والترديد بين الإِرادة والتوفّي للتسوية واستيعاب التقادير، والمعنى إلينا مرجعهم على أي تقدير، ولفظة ثم للتراخي بحسب ترتيب الكلام دون الزمان والآية مسوقة لتطييب نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولتكون كالتوطئة لحديث قضاء العذاب الذي ستفصله الآيات التالية لهذه الآية. والمعنى طب نفساً فإنا موقعون بهم ما نعدهم سواء أريناك بعض ذاك أو توفّيناك قبل أن نريك ذاك فإن أمرهم إلينا ونحن شاهدون لأفعالهم المستوجبة للعذاب لا تغيب عنّا ولا ننساها. والالتفات من قوله { نرينّك } إلى قوله { ثم الله شهيد } للدلالة على علّة الحكم فإن الله سبحانه شهيد على كل فعل بمقتضى أُلوهيته. قوله تعالى { ولكل أُمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون } قضاء إلهيّ منحلّ إلى قضاءين أحدهما أن لكل أُمة من الأُمم رسولاً يحمل رسالة الله إليهم ويبلّغها إياهم، وثانيهما أنه إذا جاءهم وبلّغهم رسالته فاختلفوا من مصدِّق له ومكذِّب فإن الله يقضي ويحكم بينهم بالقسط والعدل من غير أن يظلمهم. هذا ما يعطيه سياق الكلام من المعنى. ومنه يظهر أن قوله { فإذا جاء رسولهم } فيه إيجاز بالحذف والإِضمار والتقدير فإذا جاء رسولهم إليهم وبلِّغ الرسالة فاختلف قومه بالتكذيب والتصديق، ويدل على ذلك قوله { قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون } فإن القضاء إنما يكون فيما اختلف فيه، ولذا كان السؤال عن القسط وعدم الظلم في القضاء في مورد العذاب والضرار أسبق إلى الذهن.

السابقالتالي
2 3 4 5 6