الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

بيان رجوع إلى أمر القرآن وأنه كتاب منزل من عند الله لا ريب فيه وتلقين الحجة في ذلك، وللآيات اتصال بما تقدمها من قوله { قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحقّ قل الله يهدي للحقّ } الآية، فقد تقدم أن من هدايته تعالى إلى الحق هدايته الناس إلى دينه الذي يرتضيه من طريق الوحي إلى أنبيائه والكتب التي أنزلها إليهم ككتب نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، وهذه الآيات تذكرها وتقيم الحجة على أن القرآن منها هاد إلى الحق، ولذلك أُشير إليها معه حيث قيل { ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين }. وفي آخر الآيات الرجوع إلى ذكر الحشر وهو من مقاصد السورة كما تقدم. قوله تعالى { وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله } إلى آخر الآية، قد تقدمت الإِشارة إلى أن نفي صفة أو معنى بنفي الكون يفيد نفي الشأن والاستعداد، وهو أبلغ من نفيه نفسه ففرق بين قولنا ما كان زيد ليقوم، وقولنا لم يقم أو ما قام زيد إذ الأول يدل على أن القيام لم يكن من شأن زيد ولا استعد له استعداداً، والثاني ينفي القيام عنه فحسب، وفي القرآن منه شيء كثير كقولهفما كانوا ليؤمنوا بما كذَّبوا به من قبل } الأعراف 101، وقولهما كنت تدري ما الكتاب ولا الإِيمان } الشورى 52، وقولهوما كان الله ليظلمهم } العنكبوت 40. فقوله { وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله } نفي لشأنية الافتراء عن القرآن كما قيل وهو أبلغ من نفي فعليته، والمعنى ليس من شأن هذا القرآن ولا في صلاحيته أن يكون افتراء من دون الله يفتريه على الله سبحانه. وقوله { ولكن تصديق الذي بين يديه } أي تصديقاً لما هو حاضر منزل من الكتاب وهو التوراة والإِنجيل كما حكى عن المسيح قولهيا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يديّ من التوراة } الصف 6، وإنما وصفهما بما بين يديه مع تقدمهما لأن هناك كتاباً غير الكتابين ككتاب نوح وكتاب إبراهيم عليهما السلام فإذا لوحظ تقدم جميعها عليه كان الأقرب منها زماناً إليه وهو التوراة والإِنجيل موصوفاً بأنه بين يديه. وربما قيل إن المراد بما بين يديه هو ما يستقبل نزوله من الأمور كالبعث والنشور والحساب والجزاء، وليس بشيء. وقوله { وتفصيل الكتاب } عطف على { تصديق } والمراد بالكتاب بدلالة من السياق جنس الكتاب السماوي النازل من عند الله سبحانه على أنبيائه، والتفصيل إيجاد الفصل بين أجزائها المندمجة بعضها في بعض المنطوية جانب منها في آخر بالإِيضاح والشرح. وفيه دلالة على أن الدين الإِلهي المنزل على أنبيائه عليهم السلام واحد لا اختلاف فيه إلا بالإِجمال والتفصيل، والقرآن يفصّل ما أجمله غيره كما قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5