الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } * { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }

بيان حجج ساطعة على توحيده تعالى في الربوبية يأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بإقامتها على المشركين، وهي ثلاث حجج مرتبة بحسب الدقة والمتانة فالحجة الأولى تسلك من الطريق الذي يعتبره الوثنيون وعبدة الأصنام فإنهم إنما يعبدون أرباب الأصنام بأصنامهم من جهة تدبيرهم للكون فيعبدون كلاً منهم لأجل ما يخص به من الشأن، وما يرجع إليه من التدبير ليرضى بذلك عمّن يعبده فيفيض عليه بركاته أو ليؤمنه فلا يرسل إليه سخطه وعقابه كما كان يعبد سكان السواحل رب البحر، وأهل الجبال وأهل البر وأهل العلوم والصنائع وأهل الحروب والغارات وغيرهم كل يعبد من يناسب تدبيره الشأن الذي يهمه ليرضى عنه ربه فيبارك عليه برضاه أو يكف عنه غضبه. ومحصّل الحجة أن تدبير العالم الإِنساني وسائر الموجودات جميعاً يقوم به الله سبحانه لا غير على ما يعترفون به فمن الواجب أن يوحدوه بالربوبية ولا يعبدوا إلا اياه. والحجة الثانية ما يعتبره عامة المؤمنين، وذلك أنهم لا يلتفتون كثيراً إلى زخارف هذه النشأة من لذائذ المادة، وإنما جل اعتنائهم بالحياة الدائمة الأخروية التي تتعين سعادتها وشقاوتها بالجزاء الإِلهي بأعمالهم فإذا قامت البيّنة العقلية على الإِعادة كالبدء كان من الواجب أن لا يعبد إلا الله سبحانه، ولا يتخذ أرباب من دونه طمعاً في ثوابه وخوفاً من عقابه. والحجة الثالثة وهي التي تحن إليها قلوب الخاصة من المؤمنين وهي أن المتبع عند العقل هو الحق، ولما كان الحق سبحانه هو الهادي إلى الحق دون ما يدعونه من الأرباب من دون الله فليكن هو المتبع دون ما يدعونه من الأرباب، وسيأتي في تفسير الآيات توضيح هذه الحجج الثلاث بما تنجلي به مزيد انجلاء إن شاء الله. ولولا اعتبار هذه النكتة كان الظاهر أن تذكر أولاً الحجة الثانية ثم الثالثة ثم الأولى أو تذكر الثانية ثم يجمع بين الأولى والثالثة فيذكر بعدها. قوله تعالى { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمّن يملك السمع والأبصار } إلى آخر الآية. الرزق هو العطاء الجاري، ورزقه تعالى للعالم الإِنساني من السماء هو نزول الأمطار والثلوج ونحوه، ومن الأرض هو بإنباتها نباتها وتربيتها الحيوان ومنهما يرتزق الإِنسان، وببركة هذه النعم الإِلهية يبقى النوع الإِنساني والمراد بملك السمع والأبصار كونه تعالى متصرفاً في الحواس الإِنسانية التي بها ينتظم له أنواع التمتع من الأرزاق المختلفة التي أذن الله تعالى أن يتمتع بها فإنما هو يشخص ويميّز ما يريده مما لا يريده بأعمال السمع والبصر واللمس والذوق والشم فيتحرك نحو ما يريده، ويتوقف أو يفر مما يكرهه بها. فالحواس هي التي تتم بها فائده الرزق الإِلهي، وإنما خص السمع والبصر من بينها بالذكر لظهور آثارهما في الأعمال الحيوية أكثر من غيرهما، والله سبحانه هو الذي يملكهما ويتصرف فيهما بالإِعطاء والمنع والزيادة والنقيصة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9