الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }

بيان لما ذكر سبحانه الأصلين من أُصول الدعوة الحقة وهما التوحيد والمعاد واحتج عليهما من طريق العقل الفطري ثم أخبر عن عاقبة الإِيمان والكفر بهما بحث عن سبب إمهال الناس وعدم تعجيل نزول العذاب بساحتهم مع تماديهم في غيّهم وضلالتهم وعمههم في طغيانهم وما هو السبب الذي يوجب لهم ذلك فبين أن الأمر بين لا ستر عليه، وقد بيّنه لهم رسل الله بالبينات لكن الشيطان زين لهؤلاء المسرفين أعمالهم فأغفلهم عن ذكر المعاد فذهلوا ونسوا بعد ما ذكروا ثم لم يعجّل الله لهم العذاب بل أمهلهم في الدنيا إلى حين ليبتليهم ويمتحنهم فإنما الدار دار ابتلاء وامتحان. قوله تعالى { ولو يعجّل الله للناس الشر استعجالهم بالخير } الخ، تعجيل الشيء الإِتيان به بسرعة وعجلة، والاستعجال بالشيء طلب حصوله بسرعة وعجلة، والعمه شدة الحيرة. ومعنى الآية ولو يعجّل الله للناس الشر وهو العذاب كما يستعجلون بالخير كالنعمة لأنزل عليهم العذاب بقضاء أجلهم لكنه تعالى لا يعجّل لهم الشر فيذر هؤلاء المنكرين للمعاد المارقين عن ربقة الدين يتحيرون في طغيانهم أشد التحيّر. وتوضيحه أن الإِنسان عجول بحسب طبعه يستعجل بما فيه خيره ونفعه أي إنه يطلب من الأسباب أن تسرع في إنتاج ما يبتغيه ويريده فهو في الحقيقة يطلب الإِسراع المذكور من الله سبحانه لأنه السبب في ذلك بالحقيقة فهذه سنّة الإِنسان وهي مبنية على الأهواء النفسانية فإن الأسباب الواقعة ليست في نظامها تابعة لهوى الإِنسان بل العالم الإِنساني هو التابع الجاري على ما يجريه عليه نظام الأسباب اضطراراً أحب ذلك أو كرهه. ولو أن السنّة الإِلهية في خلق الأشياء والإِتيان بالمسببات عقيب أسبابها اتبعت أو شابهت هذه السنّة الإِنسانية المبنية على الجهل فعجّلت المسببات والآثار عقيب أسبابها لأسرع الشر وهو الهلاك بالعذاب إلى الإِنسان فإن سببه قائم معه، وهو الكفر بعدم رجاء لقا الله والطغيان في الحياة الدنيا لكنه تعالى لا يعجّل الشر لهم كاستعجالهم بالخير لأن سنّته مبنية على الحكمة بخلاف سنّتهم المبنية على الجهالة فيذرهم في طغيانهم يعمهون. وقد بان بذلك أولاً أن في قوله { لقضي إليهم أجلهم } نوعاً من التضمين فقد ضمّن فيه { قضى } معنى مثل الإِنزال أو الإِبلاغ ولذا عدي بإلى. والمعنى قضى منزلاً أو مبلغاً إليهم أجلهم أو أنزل أو أبلغ إليهم أجلهم مقضياً وهو كناية عن نزول العذاب فالكلمة من الكناية المركبة. وثانياً أن في قوله { فنذر الذين } التفاتاً من الغيبة إلى التكلم مع الغير، ولعل النكتة فيه الإِشارة إلى توسيط الأسباب في ذلك فإن المذكور من أفعاله تعالى في الآية وما بعدها كتركهم في عمههم وكشف الضر والتزيين والإِهلاك أُمور يتوسل إليها بتوسيط الأسباب، والعظماء إذا أرادوا أن يشيروا إلى دخل أعوانهم وخدمهم في بعض أُمورهم أتوا بصيغة المتكلم مع الغير.

السابقالتالي
2