الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } * { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } * { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } * { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

بيان تتضمن الآيات الاستشهاد على حقيقة ما أنزله الله في السورة من المعارف الراجعة إلى المبدأ والمعاد وما قصه من قصص الأنبياء وأُممهم - ومنهم نوح وموسى ومن بينهما من الأنبياء عليهم السلام وأُممهم - إجمالاً بما قرأه أهل الكتب السماوية فيها قبل نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ثم تذكر ما هو كالفذلكة والمعنى المحصّل من البيانات السابقة وهو أن الناس لن يملكوا من أنفسهم أن يؤمنوا بالله وآياته إلا بإذن الله، وإنما يأذن الله في إيمان من لم يطبع على قلبه ولم يجعل الرجس عليه وإلا فمن حقّت عليه كلمة الله لن يؤمن بالله وآياته حتى يرى العذاب. فالسنّة الجارية أنّ الناس منذ خلقوا واختلفوا بين مكذّب بآيات الله ومصدّق لها، وقد جرت سنّة الله على أن يقضي فيهم بالحق بعد مجيئ رسلهم إليهم فينجّي الرسل والمؤمنين بهم، ويأخذ غيرهم بالهلاك. قوله تعالى { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } إلى آخر الآية الشك الريب، والمراد بقوله { مما أنزلنا إليك } المعارف الراجعة إلى المبدأ والمعاد والسنّة الإِلهية في القضاء على الأمم مما تقدّم في السورة، وقوله { يقرءون الكتاب من قبلك } { يقرءون } فعل مضارع استعمل في الاستمرار و { من قبلك } حال من الكتاب عامله متعلّقة المقدّر، والتقدير منزلاً من قبلك. كل ذلك على ما يعطيه السياق. والمعنى { فإن كنت } أيها النبي { في ريب } وشك { مما أنزلنا إليك } من المعارف الراجعة إلى المبدأ والمعاد وما قصصنا عليك إجمالاً من قصص الأنبياء الحاكية لسنّة الله الجارية في خلقه من الدعوة أولاً ثم القضاء بالحق { فاسأل } اهل الكتاب { الذين } لا يزالون { يقرءون } جنس { الكتاب } منزلاً من السماء { من قبلك } أقسم { لقد جاءك الحق من ربك فلا تكوننّ من الممترين } المتردّدين. وهذا لا يستلزم وجود ريب في قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا تحقّق شك منه فإنّ هذا النوع من الخطاب كما يصحّ أن يخاطب من يجوز عليه الريب والشك كذلك يصحّ أن يخاطب به من هو على يقين من القول وبيّنة من الأمر على نحو التكنية عن كون المعنى الذي أخبر به المخبر ممّا تعاضدت عليه الحجج وتجمعت عليه الآيات فإن فرض من المخاطب أو السامع شكّ في واحدة منها كان له أن يأخذ بالأخرى. وهذه طريقة شائعة في عرف التخاطب والتفاهم يأخذ بها العقلاء فيما بينهم جرياً على ما تدعوهم إليه قرائحهم ترى الواحد منهم يقيم الحجة على أمر من الأمور ثم يقول فإن شككت في ذلك أو سلّمنا أنها لا توجب المطلوب فهناك حجّة أُخرى على ذلك وهي أنّ كذا كذا، وذلك كناية عن أنّ الحجج متوفرة متعاضدة كالدعائم المضروبة على ما لا يحتاج إلى أزيد من واحد منها لكنّ الغرض من تكثيرها هو أن تكون العريشة قائمة عليها على تقدير قيام الكل والبعض.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7