الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

بيان قوله تعالى { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم } الخ أما الهداية فيظهر معناها في ذيل الكلام على الصراط، وأما الصراط فهو والطريق والسبيل قريب المعنى، وقد وصف تعالى الصراط بالاستقامة ثم بيَّن أنه الصراط الذي يسلكه الذين أنعم الله تعالى عليهم، فالصراط الذي من شأنه ذلك هو الذي سُئِل الهداية إليه وهو بمعنى الغاية للعبادة أي إن العبد يسأل ربه أن تقع عبادته الخالصة في هذا الصراط. بيان ذلك ان الله سبحانه قرر في كلامه لنوع الإِنسان بل لجميع من سواه سبيلاً يسلكون به إليه سبحانه فقال تعالىيا أيُّها الإِنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه } الإنشقاق 6. وقال تعالىوإليه المصير } التغابن 3. وقالألا إلى الله تصير الأمور } الشورى 53. إلى غير ذلك من الآيات وهي واضحة الدلاله على أن الجميع سالكوا سبيل، وانهم سائرون إلى الله سبحانه. ثم بيَّن أن السبيل ليس سبيلاً واحداً ذا نعتٍ واحد بل هو متشعب إلى شعبتين، منقسم إلى طريقين، فقالألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدوُّ مبين وأنِ اعبدوني هذا صراط مستقيم } يس 60-61. فهناك طريق مستقيم وطريق آخر ورائه، وقال تعالىفإني قريب أُجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلَّهم يرشدون } البقرة 186. وقال تعالىادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } غافر 60. فبيَّن تعالى أنه قريب من عباده وأن الطريق الأقرب إليه تعالى طريق عبادته ودعائه، ثم قال تعالى في وصف الذين لا يؤمنونأُولئك ينادون من مكان بعيد } فصلت 44 فبيّن أن غاية الذين لا يؤمنون في مسيرهم وسبيلهم بعيدة. فتبيَّن أن السبيل إلى الله سبيلان سبيل قريب وهو سبيل المؤمنين، وسبيل بعيد وهو سبيل غيرهم، فهذا نحو اختلاف في السبيل وهناك نحو آخر من الاختلاف، قال تعالىإن الذين كذَّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تُفتّح لهم أبواب السماء } الأعراف 40. ولولا طروق من متطرق لم يكن للباب معنى فهناك طريق من السفل إلى العلو، وقال تعالىومن يحلل عليه غضبي فقد هوى } طه 81. والهوي هو السقوط إلى أسفل، فهناك طريق آخر آخذ في السفالة والانحدار، وقال تعالىومن يتبدل الكفر بالإِيمان فقد ضلَّ سواء السبيل } البقرة 108، فعرَّف الضلال عن سواء السبيل بالشرك لمكان قوله فقد ضلّ، وعند ذلك تقسم الناس في طرقهم ثلثه أقسام من طريقه إلى فوق وهم الذين يؤمنون بآيات الله ولا يستكبرون عن عبادته، ومن طريقه إلى السفل، وهم المغضوب عليهم، ومن ضل الطريق وهو حيران فيه وهم الضالون، وربما اشعر بهذا التقسيم قوله تعالى { صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضَّالِّين }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد