الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } هذا فى مقابله قوله: المنافقون والمنافقات (الآية) وغيّر الاسلوب تنشيطاً للسّامع واشارة الى ان لا ولاية حقيقة بين الكفّار والمنافقين وما يتراءى بحسب الصّورة انّه ولاية فهو عداوة حقيقة الاخّلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدوّ، والى انّ المنافقين من حيث نفاقهم ينشأ بعضهم من بعض، بخلاف المؤمنين فانّهم من حيث ايمانهم ينشأون كلّهم من صاحب الايمان وهو النّبىّ (ص) او الولىّ (ع) وان كان ازدياد ايمانهم ناشئاً لبعضهم من بعض { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } فى مقابل يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } فى مقابل يقبضون ايديهم، ولمّا كان اليد اعمّ من اليد الصّوريّة والمعنويّة وقبضها اعمّ من القبض عن الاعطاء والقبض عن الابتهال وجذب الخيرات الاخرويّة والتّفضّلات الآلهيّة ويعبّر عن ضدّ الاوّل بالاعطاء، وايتاء الزّكاة اعمّ من الاعطاء من الاموال والابدان والقوى الشّهويّة والغضبيّة والمحرّكة وعن ضدّ الاخير بالصّلاة بمراتبها، اتى فى مقابلة قبض اليد بالصّلاة والزّكاة جميعاً افادة لبسط اليد مع تفصيله لاظهار مدائح المؤمنين { وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } فى مقابل نسوا الله وضدّ نسيان الله تذكّر الله ولازمة المقصود منه اطاعته فى اوامره ونواهيه واطاعته فى اوامره ونواهيه لا تتصوّر الاّ باطاعة رسوله (ص) فظهر وجه العدول عن يذكرون الله والاختلاف بالمضىّ والمضارعة للاشارة الى انّ النّسيان منهم قد وقع من غير تجدّد، فانّ تجدّده يستلزم التّذكّر بخلاف الطّاعة من المؤمنين فانّها مستمرّة التّجدّد منهم { أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ } فى مقابل: انّ المنافقين هم الفاسقون، وظاهر المقابلة يقتضى ان يقول: انّ المؤمنين هم العادلون، او هم المرحومون، او يقول هناك: اولئك سيعذّبهم لكن لمّا كان السّورة والآية لتوعيد اهل الوعيد ووعد المؤمنين وكلّ ما ذكر فيها كان لتقريع اهل الوعيد ولزيادة حسرتهم والمناسب لمقام الغضب والوعيد التّسجيل بالوعيد والتّغليظ بالتّأكيد والتّطويل، وكان النّفاق اصل جملة الشّرور والفسوق ومورث جملة العقوبات وكان نسبة الغضب الى الله بالعرض ونسبة الرّحمة اليه بالّذات، وكان المناسب لمقام الوعد التّسامح فيه والاتيان بعسى ولعلّ واداة التّسويف، والايمان وان كان اساس جملة الخيرات لكن قد ينفكّ الخيرات عنه كما قالأَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَانِهَا خَيْراً } [الأنعام:158] اتى فى الاوّل بجملة اسميّة مؤكّدة بالمؤكّدات الاربعة مفيدة للتّسجيل غير مصرّحة بنسبة الغضب اليه، وفى الثّانى بجملة مصدّرة باسم الاشارة البعيدة تفخيماً واحضاراً للاوصاف المذكورة للمؤمنين مختتمة بالجملة الفعليّة المصدّرة باداة التّسويف المصرّحة بنسبة الرّحمة اليه تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } لا يعجز عن انجاز وعده ووعيده ولا يمنعه منه مانع { حَكِيمٌ } لا يعد الاّ على وفق حكمته الّتى تقتضى الاعطاء والمنع بحسب القابليّات.