الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }

{ يَوْمَ يُحْمَىٰ } يوقد النّار { عَلَيْهَا } على الّذهب والفضّة وضمير المؤنّث باعتبار معنى الجمعيّة والكثرة فيهما { فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } ذكر تعالى اشرف الاجزاء واقواها اشارةً الى شمول الكىّ او لانّهم ارادوا بالكنز الوجاهة ونعامة فراش الجنبين والظّهر مقولاً لهم { هَـٰذَا } الّذى تكوون به { مَا كَنَزْتُمْ } او هذا الكىّ غاية ما كنزتم وهو ضدّ ما اردتم { لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } اى وباله قد اختلف الاخبار فى حقيقة الكنز وفى قدر يصدق عليه الكنز وفى مالٍ يصدق عليه وقد ذكرت الاخبار فى المفصّلات، وتحقيق الحقّ فيه موافقاً لاشارات الاخبار انّ الانسان له مراتب كثيرة وحكمه وحاله فى كلّ مرتبة مخالف لحاله فى غيرها، مثلاً الواقع فى جهنّام النّفس الّذى لا يرى الخير الا ما اقتضته نفسه ولا يرى الا الاسباب وكان محجوباً عن الله وتسبيبه، فكلّما جمع مالاً لا يكون ذلك منه الاّ محض حبّ المال او محض الاتّكال فى المعاش عليه مع عدم الوثوق بالله والتّوكّل عليه، وهذا المال منه كنز قليلاً كان او كثيراً تحت الارض كان اوفوقها مؤدّىً زكوته او غير مؤدّى، بل هو شرك بالله وكفر وصاحبه وثنىّ وذلك المال صنمه، وان توجّه من جهنّام النّفس الى الملكوت العليا ولا محالة يكون منزجراً عن النّفس وجهنّامها لكنّه ما لم يخرج منها يكون مقيّداً مبتلى بمقتضياتها وسلاسل شهواتها، فان جمع فى حال التّوجّه والانزجار متوكّلاً به على الله مصداقاً لما قيل فى مضمون الصّحيحة النّبويّة: (مثنوى) " باتو كّل زانوى اشتربيند " معيناً به على خروجه وعلى معيشته لم يكن كنزاً، لانّه حينئذٍ يؤدّى حقوقه الواجبة والمندوبة حيث يريد الخروج من تحت امر نفسه والدّخول تحت امر ربّه، وان جمع فى حال التّقييد بالنّفس ومشتهياتها ولا محالة يكون محجوباً من الله والتّوكّل عليه كان كنزاً ادّى حقوقه او لم يؤدّ، وان خرج من تلك الجهنّام الى الجانب الايمن من طور الصّدر كان له الحالتان ايضاً لكن تقيّده بسلاسل شهواتها يكون اضعف، وان خرج من بيت نفسه الخراب الى بيت قلبه المعمور فهو ايضاً ذو وجهين وله الحالان، وان دخل بيت قلبه فقد دخل دار الامان وفى حقّه قيل:
كف كيرد ملّتى ملّت شود   
فميزان الكنز وعدمه حال الانسان لا حال المال وقدره، فالفقير المحبّ للدّنيا مكتنز، والغنىّ المنزجر غير مكتنز، والكنز عبارة عن محبّة الدّنيا المدّخرة فى بيت القلب اعتماداً عليها ووثوقاً لها لا المال المكتنز تحت التّراب.