الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

{ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ } قد مضى انّ الاحبار علماء الملّة والرّهبان علماء الدّين والطّريقة { أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } يطلق الرّبّ على المطاع وهو الرّبّ فى الطّاعة، وعلى المعبود وهو الرّبّ فى العبادة، وعلى المدبّر فى الوجود وهو الرّبّ فى الوجود وبقائه، وعلى الخالق وهو الرّبّ فى الايجاد والمقصود من الرّبّ ههنا هو الرّبّ فى الطّاعة حيث قالوا لهم: هذا حلالٌ وهذا حرامٌ، وهذا من التّوراة والانجيل، فسمعوا منهم من غير حجّةٍ، والنّاس غير العلماء الآلهيّين منهم لا بدّ لهم من ربٍّ بشرىّ يطيعونه لعدم بصيرتهم بأمر دينهم وبأمر دنياهم على وجهٍ لا يضرّهم فى عقباهم وذلك الرّبّ المطاع امّا منصوبٌ من الله فقوله قولٌ من الله وقول الله، وطاعته طاعة الله، وربوبيّته ربوبيّة الله، وامّا غير منصوب من الله فهو غير الله وهو ناش من غير الله وطاعته غير طاعة الله فقوله من دون الله تقييد للارباب يعنى ارباباً ناشين من دون الله من حيث ربوبيّتهم، او ارباباً هم بعض من غير الله على ان يكون من للابتداء او للتّبعيض { وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ } عطف على احبارهم يعنى اتّخذوا المسيح بن مريم ربّاً فى العبادة ولذا جاء به بعد تمام حكم المعطوف عليه واخّره عن الاحبار ليكون ترقّياً الى الابلغ فى الّذمّ، ان قلت: انّ المسيح منصوب من الله فهو ربّ من الله ولاذمّ فى اتّخاذه ربّاً؟! فالجواب انّ ربوبيّته فى الطّاعة من حيث انّه من الله ممدوحة وامّا ربوبيّته فى العبادة كما تفهم من قولهم انه آلهٌ او انّه ابن الله، او انّه ثالث ثلاثةٍ وكذا ربوبيّته فى الطّاعة من حيث انّه مستقلّ فى الرّبوبيّة فهى مذمومة واشراك بالله { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً } غير مركّب فى ذاته وغير متعدّد فى الوجود فطاعة الرّسل ان كانت من حيث انّهم رسل الله طاعة الله وطاعتهم لا من تلك الحيثيّة ليست طاعة الله { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } صفة بعد صفة او حال او مستأنف والمقصود منه حصر الآلهة فيه كأنّه قال: { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً } محصوراً فيه الآلهة { سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } فى الطّاعة والولاية كاشراك الاحبار والرّهبان او فى الطّاعة والعبادة والآلهة جميعاً كاشراك المسيح وهو تعريض بالامّة حيث اشركوا فى الولاية والطّاعة من لم ينصبه الله وللاشارة الى التّعريض قال تعالى { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ }.