الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ }

{ يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بعد ما ذمّ المتخلّفين عن رسول الله (ص) رغّب المؤمنين فى طاعته وعدم التّخلّف عنه ليكون اوقع ولان يجمع بين الوعد والوعيد كما هو شأن النّاصح الحكيم { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } اعلم، انّ الايمان قد يطلق على الاسلام الحاصل بالبيعة العامّة وقبول الدّعوة الظّاهرة وانقياد النّفس والقالب تحت احكام القالب المأخوذة من نبىّ (ع) او خليفته (ع)، وقد يطلق على الايمان الخاصّ الحاصل بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة وانقياد القلب تحت احكام القلب المأخوذة من صاحب أحكام القلب وهو الايمان حقيقةً لصحّة سلب اسم الايمان عن الاسلام كما قال تعالى:قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } [الحجرات:14] يعنى ما اعتقدتموه ايماناً ليس بايمان بل هو اسلام، والتّقوى من سخط الله وعذابه قد تطلق باعتبار مطلق الانزجار عن النّفس ومقتضياتها وهو مقدّم على الاسلام الحقيقىّ الّذى هو هداية للايمان، وقد تطلق باعتبار الانصراف عن النّفس وطرقها الى طريق القلب والسّلوك اليه والتّقوى بهذا المعنى لا تحصل الاّ بالايمان الخاصّ والبيعة الولويّة، لانّ الانسان ما لم يبايع بتلك البيعة لم يتّضح له طريق القلب فضلاً عن التّوجّه اليه والسّلوك عليه ولم يدخل الايمان فى قلبه، فهذه التّقوى لا تحصل قبل الاسلام ولا قبل الايمان بل هى مع الايمان وتكون بعد الايمان الى ان تحصل التّقوى من ذاته من غير شعورٍ بتقواه وهو الفناء التّامّ الّذى لا فناء بعده وبعده صحو وبقاء بالله واتّصاف بصفات الله الحقيقيّة والاضافيّة الّتى هى داخلة تحت اسم الرّحمن كما قال تعالى:يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } [مريم:85] يعنى بعد انتهاء التّقوى لهم صحو واتّصاف بصفة الرّحمانيّة الّتى هى مجمع سائر الصّفات الاضافيّة وباعتبار هذا المعنى خصّصوا التّقوى بشيعتهم، والصّدق لغةً وعرفاً مطابقة القول اللّفظىّ او النّفسىّ للواقع، وعند اهل الله النّاظرين الى الاشياء بما هى عليه الصّدق مطابقة الاقوال والافعال والاحوال والاخلاق والعلوم لما ينبغى ان يكون الانسان عليه، ولما هو نفس الامر لما ينتسب الى الانسان بما هو انسان، فانّ اللّطيفة الانسانيّة مظهر للعقل ان لم تكن محجوبةً باغشية الآراء النّفسيّة والكدورات الطّبيعيّة والعقل مظهر لله تعالى ومظهر المظهر مظهر، وما ينسب الى مظهر شيءٍ من حيث انّه مظهر ذلك الشّيء ينسب الى ذلك الشّيء حقيقةً ويصحّ سلبه عن المظهر كما فى قوله تعالى: فلم تقتلوهم فى عين انّ القتل كان بأيدهم فسلب نسبة القتل عنهم حيث انّهم لغاية الدّهشة ونزول السّكينة الّتى هى ظهور الحقّ تعالى كانوا مظاهر للسّكينة والسّكينة مظهر لله تعالى فسلب القتل عنهم واثبته للظّاهر فيهم وهو السّكينة اوّلاً والحقّ الاوّل ثانياً فقال: ولكن الله قتلهم اسقاطاً لحكم الظّاهر الاوّل ايضاً وكذا قوله تعالى:

السابقالتالي
2