الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

{ وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ } استعمال الخوالف فى النّساء والمخلّف فى الرّجال للاشارة الى انّ التّخلّف شأنهنّ فتخلّفهنّ لا تعمّل فيه، وامّا الرّجال فانّ شأنهم التّهييج للقتال وتخلّفهم كأنّه كان بتعمّل وقبول من غيرهم، ولمّا فهم العامّة من ظاهره انّ رسول الله (ص) خلّفهم انكر المعصومون (ع) قراءة خلّفوا وقرأوا خالفوا والاّ فقد سبق استعمال المخلّف فى المتخلّفين المخالفين عند قوله فرح المخلّفون والمعنى فرح الّذين حملهم الشّيطان على التّخلّف لا الرّسول (ص)، والثّلاثة المخلّفون كانا كعب بن مالكٍ ومرارة بن الرّبيع وهلال بن امّية كانوا تخلّفوا عن غزوة تبوك واستقبلوا رسول الله (ص) بعد مراجعته، فسلّموا عليه فلم يردّ عليهم الجواب وأمر اصحابه ان لا يسلّموا عليهم ولا يكلّموهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم، فدخلوا المدنية ولا يكلّم معهم احد، ودخلوا المسجد فلا يسلّم عليهم احد، وجاءت نساؤهم الى رسول الله (ص) وقالت: بلغنا سخطك على ازواجنا؛ انعتزلهم؟ - فقال: " لا تعتزلنهم ولكن لا يقاربوكنّ " ، فلمّا رأوا ما حلّ بهم قالوا: ما يقعدنا بالمدنية فخرجوا الى الجبال وقالوا: لا نزال فى هذه الجبال حتّى يتوب الله علينا، وكان أهلوهم يأتونهم بالطّعام فيضعونه عندهم ولا يكلّمونهم فلمّا طال عليهم الامر قال بعضهم: يا قوم سخط الله علينا ورسوله واخواننا واهلونا فلا يكلّمنا احد فما لنا نجتمع ولا يسخط بعضنا بعضاً، فتفرّقوا وحلفوا ان لا يتكلّم احد منهم احداً حتّى يموتوا او يتوب الله عليهم، فبقوا على هذه الحال فأنزل الله توبتهم على رسوله حين اشتدّ الامر عليهم { حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } بعدم تكلّم رسول الله (ص) ولا اصحابه ولا اهليهم { وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ } بعدم اجتماعهم وعدم تكلّم بعضهم بعضاً { وَظَنُّوۤاْ } اى علموا وأيقنوا واطلاق الظّنّ على العلم لما مرّ مراراً انّ علوم النّفس ان كانت يقينيّاتٍ فهى ظنون لتوجّهها الى السّفل وتخلّف المعلوم وغاياتها عنها بخلاف علوم العقل فانّ معلوماتها ثابتة وغاياتها غير متخلّفة، وهؤلاء لمّا كانوا قبل قبول توبتهم واقعين فى مرتبة النّفس كانت علومهم ظنوناً { أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } رجع بالرّحمة والتّوفيق عليهم { لِيَتُوبُوۤاْ } صادقين الى الله فيَقْبَل توبتهم { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ } كثير المراجعة على العباد بالرّحمة والتّوفيق سهل القبول لتوبتهم { ٱلرَّحِيمُ } فلا يدعهم لرحمته ان يدوموا على العصيان.