الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } بنيان وجوده { عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ } من الله عطف على محذوف مستفادٍ من سابقه والهمزة والفاء على التّقديم والتّأخير او على تقدير المعطوف عليه بينهما تقديره امسجد اسّس على التّقوى خير ام مسجد اسّس على النّفاق فامّن اسّس بنيانه او فمن اسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوانٍ خير { أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ } الجرف جانب الوادى الّذى تجرفه السّيول وتذهب بتراب اصله فتنشقّ والشّفا شفيره { هَارٍ } اصله هائر وهور وهو المنشقّ المشرف على السّقوط { فَٱنْهَارَ بِهِ } اسقط اى البنيان او من اسّس النبيان { فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } عطف باعتبار المعنى كأنّه قال فمن اسّس بنيانه على شفير جهنّم ظالم والله لا يهدى القوم الظّالمين. اعلم، انّ النّفس الانسانيّة فى اوّل الخلقة ليس لها الاّ فعليّة الجماد ثمّ تتدرّج الى فعليّة النّبات ثمّ الى فعليّة مراتب الحيوان من مراتب الخراطين الى مراتب البهيميّة والسّبعيّة، ثمّ الى فعليّة الشّيطانيّة، ثمّ الى فعليّة الانسانيّة فى الجملة، وهى مقام تميزها للخير والشّرّ العقليّين فى الجملة فى اوّل مراتب البلوغ والتّكليف وحينئذٍ تقع برزخاً بين عالم الجنّة والشّياطين وفيه جهنّم ونيرانها، وبين عالم الملائكة بمراتبها وفيه الجنان ونعيمها وروحها وريحانها، والانسان فى هذا المقام ليس الاّ قابلاً صرفاً يتصرّف فيه الشّياطين ويجذبونه الى السّفل والى عالمهم ويتصرّف فيه الملائكة ويجذبونه الى العلو والى عالمهم وله القوّة والاستعداد للسير على مراتب السّفل والاتّصاف بها وعلى تمام مراتب العلو والاتّصاف بها، فان ساعده التّوفيق وادرك ببصريته شروره وانّ جذب الشّياطين له ليس الاّ الى دار الشّرور واتّقى ذلك ولم ينصرف الى ما اقتضيه القوّة الشّيطانيّة والسّبعيّة والبهيميّة، بل كان على حذرٍ من ذلك وقام فى مقام الانسانيّة متدرّجاً فى مراتبها فقد اسّس دار وجوده وتعيّشه على تقوى من لوازم سخط الله وهى مقتضيات القوى المذكورة، وان ادراكه خذلان الله العياذ بالله، وانصرف عن مقام الانسانيّة وانجذب بوسوسة الشّيطان الى مقام القوى المذكورة وهو اقرب مقاماته الى العالم السّفلىّ الّذى فيه جهنّم وقام فى هذا المقام الّذى هو اضعف مراتبه واوهنها فقد اسّس دار وجوده وتعيّشه على اوهن مقاماته الّذى اذا انهدم سقط فى جهنّم.