الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً }

{ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ } جوابٌ لسؤالٍ مقدّرٍ عن حال الشّاكرين { مِن كَأْسٍ } من خمرٍ او من كأسٍ فيها خمر { كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا } اى منها { عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا } يجرونها باىّ نحوٍ والى اىّ مكانٍ شاؤا، او يخرجون ماؤها من اىّ مكانٍ شاؤا { تَفْجِيراً } لا يعرف لعظمته.

اعلم، انّ للانسان حالاتٍ ومراتب ودرجاتٍ فانّه فى اولى مراتبه جمادٌ فى تطوّراته، وفى ثانية مراتبه نبات فى تفنّناته، وفى ثالثة مراتبه حيوانٌ فى تبدّلاته وتقلّباته، وفى رابعة مراتبه انسانٌ فى كثرة نشآته، ولتلك المراتب ميولٌ واقتضاءات وشهوات وغضبات ومحبّات واشتياقات وعزمات وارادات وحركات وسكنات، فاذا بلغ الانسان مبلغ الرّجال والنّساء فامّا ان تكون حركاته وسكناته بحكم ميوله الجماديّة او اقتضاءاته النّباتيّة او شهواته وغضباته الحيوانيّة، او ادراكاته وحيله الشّيطانيّة، وامّا ان تكون بحكم عقله الانسانىّ فان كانت من القسم الاوّل كانت جملة حركاته وسكناته وعزماته واراداته من حيث انجرارها الى العمل السّىّء والاسوء سلاسل تجرّه فى الدّنيا الى اسفل النّفس الّتى هى صورة جحيم الآخرة والى العمل القبيح الّذى هو من آثار لهبات الجحيم، وتلك السّلاسل فى الدّنيا مستورة عن الانظار الحسّيّة وان كانت مشهودة بالانظار الملكوتيّة لاهلها، لكن فى الآخرة تصير مشهودة ظاهرة بناءً على تجسّم الاعمال وموجبة لسلاسل اخرى اخرويّة بناءً على جزاء الاعمال فى الآخرة بالجزاء المناسب لها، وكانت كلّها من حيث اكتساب النّفس منها سوأة وثقلاً اغلالاً لها مستورة عن الانظار الدّنيويّة مشهودة للانظار الاخرويّة، وان كانت من القسم الاخير صارت سبباً لاطلاقه من الاغلال وخلاصه من السّلاسل وسبباً لخروجه من هاوية النّفس وعروجه على مراقى الانسانيّة الى اعلى عليّين وقرب ربّه ربّ العالمين وبعبارةٍ اخرى كلّما يفعله الانسان بعد بلوغه امّا ان يكون بامر آمرٍ الهىٍّ من غير شراكة لنفسه وامرها فيه او يكون بشراكةٍ لنفسه فيه وامّا ان يكون بامر نفسه من غير شراكةٍ لربّه وامر ربّه فيه، فان كان من القسم الاوّل صار سبباً لاطلاقه ونجاته ويكون ممّا يتقرّب به قرب الفرائض، وان كان من القسم الثّانى فامّا ان يكون شراكة النّفس فى الفعل لامر الله من حيث توجّهها الى الله واعانتها لامتثال امر الله وقربها من الله، او من حيث انصرافها من الله وتوجّهها الى حظوظها ومآربها، والاوّل كالاوّل فى صيرورته سبباً لاطلاق النّفس ونجاتها ويكون ممّا يتقرّب به قرب النّوافل، والثّانى يكون ممّا يكون العامل فيه مشركاً فى العبادة ويكون مردوداً اليه وممّا يتركه الله تعالى لشريكه لكونه اغنى الشّركاء ويترك لشريكه كلّ عملٍ يعمل بشراكة غيره، ويكون سلسلةً وغلاًّ لنفسه، وان كان من القسم الثّالث لا يكون الاّ غلاًّ وسلسلةً واليها اشار تعالى شأنه بقوله:

السابقالتالي
2