الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ }

{ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ } اى عذاب اتى بقد والماضى تحقيقاً لتحقّقه، او للاشارة الى انّ ما هم عليه من السّفاهة والضّلالة والمجادلة مع رسول الله (ص) عذابٌ اليمٌ، لكنّهم لا يدركون ألمه لكون مداركهم خدرةً { وَغَضَبٌ } اخّر الغضب مع انّه بالتّقديم اولى لتقدّمه ذاتاً وشرفاً، لانّه لا يظهر الاّ بالرّجس المسبّب عنه فالرّجس اسبق ظهوراً منه { أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ } اعلم، انّ الاسم ما يدلّ على شيءٍ آخر بحيث لا يكون حين الدّلالة على المسمّى منظوراً اليه ومقصوداً ومحكوماً عليه بشيءٍ، سواء كان ذلك الدّالّ لفظاً او نقشاً او مفهوماً ذهنيّاً او ذاتاً خارجيّاً مثل لفظ زيد، فانّه اسم للّذات المعيّنة المخصوصة واذا اريد دلالته على تلك الّذات فى قولنا: جاء زيدٌ، لم يكن ذلك اللّفظ منظوراً اليه ولا محكوماً عليه هذا الاعتبار، بل النّظر والقصد الى تلك الّذات بحيث يكون اللّفظ مغفولاً عنه، وبهذا الاعتبار هو اسم للذّات ولا يحكم عليه بشيءٍ من الاحكام، واذا اعتبر هذا اللّفظ من حيث اعتباره فى نفسه مع قطع النّظر عن اعتبار دلالته على المسمّى بل من حيث انّه مركّب عن حروف ثلاثةٍ متحرّك الاوّل ساكن الاوسط يصير حينئذٍ محكوماً عليه ومنظوراً اليه ومسمّىً باسم اللّفظ والموضوع والاسم المقابل للفعل، وهذان الاعتباران كما هما ثابتان للالفاظ الدّالّة والاسماء اللّفظيّة كذلك ثابتان لكلّ ما يدلّ على غيره من الذّوات، ثمّ اعلم، انّ جميع الاشياء من الذّاوات النّوريّة الملكيّة والظّلمانيّة الطّبيعيّة والشّيطانيّة آثار صنعه تعالى ودوالّ وحدته وعلمه وقدرته ومظاهر جوده ولطفه وقهره، وهى بهذا الاعتبار اسماؤه ولا حكم لها ولا اسم ولا رسم وليست مسمّياتٍ وهى بهذا الاعتبار قضاؤه؛ والرّضا بها واجب وعبادتها عبادة الله ومحبّتها محبّة الله لانّها غير منظوراتٍ ولا مقصوداتٍ بهذا الاعتبار، واذا جعلت منظوراً اليها ومحكوماً عليها ومسمّيات باسمائها الخاصّة كانت بهذا الاعتبار مقابلاتٍ له تعالى وثوانى ولم تكن دوالّ ذاته وعلمه وقدرته بل كانت حينئذٍ مدلولات ومسميّات ومقتضيّاتٍ، والنّظر اليها وعبادتها والرّضا بها كفر وشرك والنّاظر ملوم ومذموم، وبهذا الاعتبار ورد: الرّضا بالكفر كفر. ثمّ اعلم، انّ الانسان ما لم يخرج من بيت نفسه ولم يهاجر الى رسول صدره ولم يتوجّه الى نبىّ قلبه باعانة ولىّ امره لا يمكن له النّظر الى الاشياء من حيث انّها دوالّ ذاته تعالى بل لا يرى فى الوجود الاّ الاشياء المتكثّرة المقابلة للوحدة مستقّلاتٍ مدولاتٍ مسمّياتٍ وان كانت بحسب الواقع ونفس الامر متعلّقاتٍ صرفةٍ غير مستقّلاتٍ لا حكم لها اصلاً، لكنّها فى نظر المتوطّن فى بيت نفسه وبلد طبعه لا شأن لها الاّ المباينة والاستقلال وعدم التّعلّق والدّلالة على شيءٍ، لكنّه لمّا كان مأموراً بالخروج من هذا البيت وحجّ بيت الله القلب والطّوف به بل الاقامة عنده ثمّ الوصول الى ربّه والحضور لديه، ولا يمكنه الخروج الاّ باعانة معاون خارجىّ ورفاقة رفيقٍ بشرىٍّ وكلّما فرض معاوناً له ليس فى نظره الاّ محكوماً عليه ومتسقلاًّ ومسمّى غير دالٍّ على الله وغير اسمٍ له، جعل الله تعالى له معاوناً يعينه على خروجه وامره باتّباعه ونصب له حجّة على جواز النّظر اليه والاخذ منه والتّضرّع لديه وان كان فى نظره مسمّى ومحكوماً عليه ومستقلاًّ، فكونه مطاعاً ومتبوعاً ومعبوداً عبادة الطّاعة مع كونه ثانياً لله ومقابلاً ومسمّى ومحكوماً عليه فى نظره ممّا انزل الله به حجّة وسلطاناً وليس النّاظر اليه مذموماً وملوماً ولا كافراً ومشركاً، اذا علمت ذلك فمعنى الآية لا ينبغى لكم المجادلة مع الرّسول فى تصحيح اسماء لا حكم لها وليست مسمّياتٍ ومستقّلاتٍ بل متعلّقات صرفة وروابط محضة جعلتموها انتم وآباؤكم مسمّياتٍ بمقتضى وقوفكم فى رساتيق انفسكم، والحال انّها { مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا } اى معها او فيها او بسببها { مِن سُلْطَانٍ } اى سلطنة او حجّة وبرهان من هذه الحيثيّة اى كونها مسمّيات ومنظوراً حتّى يرفع اللّوم عنكم ويتبدّل شرككم بالنّظر الى الحجّة بالتّوحيد بوجهٍ ما { فَٱنْتَظِرُوۤاْ } امر الله فى حقّكم وحقّى { إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ } آمنوا { مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } التّقييد به تنبيه على انّه لا يجوز لاحدٍ النّظر الى عمله والاتّكال عليه، فانّ العمل ليس له الاّ اعداد القابل للقبول وامّا فعل الفاعل فغير مسبّبٍ عنه كما مرّ مراراً { وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } تكليفاً { وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } تكويناً او كلاهما عامّان او خاصّان بمعنىً واحدٍ، والثّانى تأكيد للاوّل ومعنى قطع الدّابر الاستيصال وعدم بقاء عقبٍ لهم، وورد انّ هوداً (ع) وصالحاً (ع) وشعيباً (ع) واسمعيل (ع) ونبيّنا (ص) كانوا يتكلّمون بالعربيّة.