الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ }

{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ } فانّ القسط هو توسّط النّفس فى الافعال والاقوال والاحوال والاخلاق والعقائد بين تفريط النّفس عن الاغراض العقليّة وافراطها فيها بحيث يؤدّى الى ما نهى عنه كالاغراض الدّنيويّة { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } وهذا يؤيد ما ذكر فى الخبر فى تفسير الفحشاء، واقامة الوجه صرفه عن الانحراف الى ما ينبغى ان يتوجّه اليه من قبلته، وقبلة وجه البدن اشرف بقاع الارض، وقبلة وجه النّفس القلب، وقبلة وجه القلب الرّوح، وقبلة الرّوح هى الولاية المطلقة، وقبلة الكلّ هى خليفة الله، والمسجد ايضاً يعمّ المساجد الطّينيّة والمساجد الرّوحانيّة من القلب والرّوح والولاية المطلقة والايّام المتبرّكة والسّاعات الشّريفة من كلّ يومٍ، والمساجد الحقيقيّة البشريّة الّذين هم خلفاء الله فى ارضه وبيوته لخلقه واصل الكلّ هو خليفة الله الاعظم اعنى عليّاً (ع) وجمع الوجوه بجمع الكثرة مضافاً مفيداً للاستغراق والاتيان بكلمة كلّ فى جانب المسجد للاشارة الى تعميم الوجه والمسجد وقد فسّر المسجد ههنا فى الخبر بالائمّة (ع) { وَٱدْعُوهُ } اى ادعوا ربّى او ادعوا المسجد وهو عطف على اقيموا كما انّ اقيموا عطف على امر ربّى ليكون مقولاً لقل، او عطف على امر بتقدير قال ليكون مقولاً لقول الله تعالى والمعنى، ادعوا ربّى او المسجد بتصفية بيوت قلوبكم عمّا يمنعه من دخولها واستيلائه عليها ثمّ باستدعاء دخوله بالسنة قالكم وحالكم واستعدادكم، فانّ قلب المؤمن من عرش الرّحمن وبيت الله الّذى اذن ان يرفع كما قيل:
هركه خواهد نشينى با خدا   كو نشيند در حضور اوليا
وكما قيل:
مسجدى كو اندرون اولياست   سجده كَاه جملة است آنجا خداست
لكن لا يدخله الاّ بعد تصفيته عمّا لا يليق به تعالى وقد سبق فى سورة البقرة عند قوله تعالى:وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ } [البقرة: 114] (الى آخرها) تحقيق للمسجد { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } اى طريق الدّعوة من الاغراض والاهواء خارجين من ارادتكم واختياركم كالميّت بين يدى الغسّال مؤتمرين بأمر؛ موتوا قبل ان تموتوا: فانّه { كَمَا بَدَأَكُمْ } من غير ارادةٍ منكم واختيارٍ وغرضٍ وهوىً { تَعُودُونَ } فمن أراد العود اليه فليخرج من جميع ما ينسب الى نفسه والاّ فسيعيده الملائكة الغلاظ كاعادة العبد الجانى الآبق الى مولاه للمؤاخذة، او المعنى ادعوه متضرّعين منتظرين للورود عليه مخلصين له الطّاعة والعبادة لانّه كما بدأكم تعودون اليه فيجازيكم على طاعاتكم وعلى اىّ تقدير يكون قوله كما بدأكم تعودون فى مقام التّعليل.