الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } الجملة حال من فاعل الافعال الثّلاثة على سبيل التّنازع وقوله اولئك كالانعام معترضة جواباً لسؤالٍ مقدّرٍ او انشاء لذمّهم بها، والتّقييد بهذه الجملة للدّلالة على غاية مذمّتهم لانّ المعقول والمبصر والمسموع اذا لم يكن له جهة سوى المظهريّة والاسميّه لله ومع ذلك لم ير الرّائى منه ما هو مرئىّ فيه ومدلول له، كان ذلك منه غاية العمى والغفلة بخلاف ما اذا كان ذا جهتين، والمعنى لهم قلوب لا يفقهون من معقولاتهم ومدركاتهم المعقولات الاُخر الاخرويّة الآلهيّة ولا ينتقلون منها الى ما يتراءى فيها من الصّفات الالهيّة والحال انّ اكثرها وهى الاسماء الحسنى لا جهة لها سوى اراءة الله، لانّها مختصّة بالله ليس فيها دلالة على غيره وهم يدركون بها غيره لغاية عماهم، ثمّ اعلم، انّه لا اختصاص لاسم الاسم بالاسماء اللّفظيّة ولا بالمفاهيم الّذهنيّة ولا بما دلّ بالمواضعة، بل يطلق حقيقةً على الموجودات العينيّة لانّ حقيقة الاسم ما يحكى عن الغير لفظيّاً كان او ذهنيّاً او عينيّاً، كما ورد عنهم: نحن الاسماء الحسنى، وانا الاسم الاعظم ولا اسم لله اكبر منّى، وحسن الاسم امّا بحسن دلالته او بحسن مدلوله او بحسنه فى نفسه مع قطع النّظر عن حيثيّة اسميّته ودلالته، كالمرآة فانّ حسنها قد يكون بحسن اراءتها او بحسن المرئىّ منها او بحسنها فى نفسها فالموجودات العينيّة والمعقولات الذّهنيّة والاسماء اللّفظيّة كلّها اسماء لله كما قرّر فى محلّه:
وفى كلّ شيء له آيةٌ   تدلّ على انّه واحدٌ
وكلّها حسنة باعتبار دلالتها على الله لكنّها متفاوتة فى الدّلالة وفى انفسها وبهذا الاعتبار توصف بالاحسنيّة فالعقول الّتى هى بشراشرها تحكى عن الله وصفاته واسمائه وهم الملائكة المقرّبون احسن من النّفوس باعتبار دلالتها وباعتبارها فى انفسها، والنّفوس الّتى يعبّر عنها بالمدبّرات امراً لتجرّدها عن المادّة والتّقدرّ احسن من الاشباح النّوريّة، وهى لتجرّدها عن المادّة احسن المادّيّات وهى احسن من اهل الملكوت السّفلىّ الّتى هى دار الشّياطين والجنّة وفيها جحيم الاشقياء، لكنّ المادّيّات والسّفليّات لاحتجابها بحجب الماّدة ولوازمها وانظلامها بظلمة المادّة كأنّها لا دلالة لها على الله ولا حسن لها فى انفسها لو سمّيتها بالاسماء الغير الحسنة او الغير الحسنى، لكان حقّاً هذا بحسب سلسلة النّزول وامّا بحسب سلسلة الصّعود فخاتم الانبياء (ص) اسم احسن بالجهات الثّلاثة لا احسن منه ثمّ خاتم الاولياء (ع) ثمّ سائر الانبياء (ع) والاولياء (ع) على تفاوت مراتبهم، فالمعنى ولله خاصّةً الاسماء الّتى لا دلالة لها على غيره وهى احسن من غيرها فى انفسها { فَٱدْعُوهُ بِهَا } ولمّا كان الامر بدعائه تعالى مفروعاً عنه مسلّماً عندهم بحيث ما بقى لاحدٍ شكّ فى انّه مأمور بدعائه تعالى كان الغرض من تفريعه على تخصيص الاسماء الحسنى به تخصيصه بها اعتباراً لمفهوم القيد فى مثل هذا المقام فكأنّه قال فادعوا الله بالاسماء الحسنى لا بغيرها من الاسماء الّتى لا حسن فيها او ليست بأحسن، ولمّا كان الاسماء اللّفظيّة الآلهيّة كلّها متساوية فى انفسها وفى دلالتها، لانّ الدّلالة وضعيّة فى كلّها والمدلول فى الكلّ هو الله واسماؤه وصفاته فلا يتصوّر فيها التّفاوت بالحسن وعدمه والاحسنيّة وعدمها فليست هى مقصودة منها، والاسماء النّزوليّة الّتى مقامها فوق مقام البشر، لمّا لم يمكن التّوسّل بها للبشر لارتفاعها عن مقام البشر وعدم سنخيّة البشر لها فهى ايضاً ليست مقصودة لعدم جواز الامر من الله بالتّوسّل بغير الممكن، فبقى ان يكون المقصود الامر بدعائه بتوسّط الاسماء البشريّة الصّعوديّة فكأنّه قال تعالى بعد اعتبار مفهوم القيد: فادعوه باسمائه الحسنى من افراد البشر الّتى هى ببشريّتها سنخكم ويمكن لكم التّوسّل بها من الانبياء (ع) والاولياء (ع) وخاتم الكلّ والحاضر فى زمانكم محمّد (ص) وعلىّ (ع)، فادعوه بهما كما فسّر قوله تعالى: ادعوا الله او ادعوا الرّحمن بهما؛ ولا تدعوه باسمائه الغير الحسنى من الاشقياء وائمّة الجور وخاتم الكلّ والحاضر فى زمانكم مقابلوا محمّد (ص) وعلىّ (ع) وعلى هذا فقوله تعالى { وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ } كان بياناً لمفهوم القيد وتأكيداً له ان كان معناه واتركوا دعاء الله بالّذين يلحدون فى اسمائه الحسنى ان جعل الاضافة للعهد او فى مطلق اسمائه ان جعلت للاستغراق، وان كان معناه اعرضوا عن الّذين يلحدون فى اسمائه ولا تنظروا اليهم والى الحادهم كان تأسيساً يعنى لا توسّلوا بهم حسب مفهوم القيد ولا تنظروا اليهم والى الحادهم بل اجعلوهم كالمعدومات، والمراد بالالحاد فى الاسماء العدول عنها من حيث انّها اسماء والعدول بها عن اسميّتها لله وقوله { سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يناسب المعنى الثّانى لقوله وذروا الّذين يلحدون.