الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } ذوو شرّ على ما قيل انّه بالتّسكين لذوى الشّرور وبالتّحريك لذوى الخيرات، وهو تعريض بامّة محمّد (ص) حيث كانوا فى عهده امّا صالحين وامّا دون ذلك وبعده صاروا آخذين بعرض مغترّين بغرور النّفس مع انّه (ص) اخذ عليهم الميثاق بان لا يستبدّوا بآرائهم ولا يقولوا على الله الاّ الحقّ ولا يفارقوا الكتاب وعترته (ص) { وَرِثُواْ ٱلْكِتَابَ } اى كتاب النّبوّة واحكامها او التّورية على تنزيله وظاهره { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } من الدنّو او الدّنائة يعنى العرض الّذى هو عبارة عن متاع الدّنيا فانّه عارض وزائل لا محالة والجملة امّا صفة بعد صفة والاختلاف مع الاولى للاشارة الى استمرارهم فيه، او حال من خلف لاختصاصه بالصّفة، او من فاعل ورثوا، او جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل: ما فعلوا بوراثة الكتاب؟ - فقال: يأخذون وعلى اىّ تقديرٍ فالمقصود ذمّهم على انّهم جعلوا الكتاب الّذى هو سبب لاخذ النّعيم الابدىّ والفوز بخير دار البقاء وسيلة لعرض الدّنيا الزّائل لحمقهم، فانّ اسناد الاخذ الى الخلف المقيّد بوراثة الكتاب يشعر باعتبار الحيثيّة؛ فالويل ثمّ الويل لمن انتحل الاحكام النّبويّة وجعلها وسيلة الى الاعراض الدّنيويّة كاكثر العاّمة الّذين ادّعوا العلم والفقاهة وانتحلوا الشّرع والوراثة { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } فانّ النّفس فى توسّلها الى مشتهياتها تستدعى وجهاً لاطمينانها فيها فتارةً تقول: لا ثواب ولا عقاب ولا آخرة ان هى الاّ حيوتنا الدّنيا، وتارةً تقول: انّ الله كريم، وتارةً تقول: ليس العذاب الاّ ايّاماً معدودة، وتارةً تقول: من انتسب الى نبىّ (ع) لا يعّذب ولو جاء بذنوب اهل الدّنيا، وتارةً تقول: محبّ علىّ (ع) لا يدخل النّار وحبّ علىّ (ع) حسنة لا تضر معها سيّئة ولا تدرى انّها كلّها غرور ما توّهمته انتساباً الى نبىٍّ او محبّةٍ لعلىّ (ع) انتساب الى الشّيطان ومحبّة له؛ اعاذنا الله من شبهات انفنسنا { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } يعنى ليس قولهم سيغفر لنا الاّ عن غرور النّفس فانّ راجى المغفرة يرعوى عمّا ينافيها { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ ٱلْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } يعنى انّ وراثة الكتاب تستدعىالخوف من الله لا الاغترار به فانّ ميثاق الكتاب أي العهود الّتى تؤخذ عليهم بالبيعة العامّة النّبويّة ان لا يغترّوا بالدّنيا ولا يقولوا على الله الاّ الحقّ { وَدَرَسُواْ } تعلّموا وتعاهدوا { مَا فِيهِ } من الوعد والوعيد { وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } يعنى انّ الافتتان باعراض الدّنيا يتصوّر لغفلتهم عن مفاسدها وسكوتنا عن بيانها وقد بيّناها ونبّهناهم عليها، او لرجحانها على متاع الآخرة وليس كذلك، او للحمق وعدم العقل واليه اشار بقوله { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } او لانّ التّمسّك باحكام الكتاب والاتّعاظ بمواعظها يصير ضائعاً عندنا.