الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

{ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا } واحضره باسم الاشارة وصرّح بأنّه تقديره ليكون كالمشاهد للسّامع فيصير قوله وهو الّذى جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها { فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } غنيّاً من الحجّة، والنّجوم ان كانت اعمّ من الشّمس والقمر فذكرهما هناك لشأن الحسبان وههنا لشأن الاهتداء بهما، والنّجوم فى عالم الكون معلوم وفى الصّغير القوى والمدارك الجزئيّة والواردات الغيبيّة والالهامات القلبيّة والاذكار السنيّة وفى الكبير الائمّة (ع) وخلفاؤهم والمراد بالظّلمات الظّلمات الصّوريّة والمعنويّة من ظلمات النّفس وشبهاتها وزّلاتها وضلالاتها وقد فسّرت النّجوم بآل محمّد (ص) { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ } آيات علمنا وقدرتنا وتدبيرنا للاشياء على طبق حكمتنا بنصب رئيسٍ فى كلّ من مراتب العالم الكبير والصّغير فى الكتاب التّدوينىّ الآفاقىّ والانفسىّ، ليدلّ على وجوب رئيسٍ منّا فى اشرف اجزاء العالم الكبير وهو الانسان وليس تفصيلنا للآيات لكلّ ذى شعورٍ بل للانسان ولا لكلّ فرقة منهم بل { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } فانّ غيرهم لا ينجع فيه تفصيل الآياتوَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [يوسف:105] والعلم قد يطلق بمعنى مطلق الادراك تصوّراً كان او تصديقاً، وقد يطلق بمعنى العرفان وهو التّصوّر الجزئىّ وقد يطلق بمعنى ادراك النّسبة وهماً كان او شكّاً او ظنّاً او علماً عاديّاً او تقليديّاً او يقيناً تحقيقيّاً، وقد يطلق على الاعتقاد الرّاجح ظنّاً كان او علماً عاديّاً، او تقليداً، او يقيناً، وقد يطلق على ما يقابل الظّنّ من هذه الثّلاثة وهذه ليست بمرادة وهو واضح، وقد يطلق على اليقين واليقين ان كان متعلّقاً بالامور المعاشيّة من غير توجّه وارتباط بالآخرة كما قال تعالىيَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [الروم:7] فليس تفصيل الآيات لهذا العالم لانّه لغفلته لا يدرك ذا الآية من الآيات بل ينفى عنه العلم وان كان متعلّقاً بالامور الاخرويّة من العقائد العقليّة والاعمال القلبيّة والاخلاق النّفسيّة والعبادات القالبيّة والاعمال المعاشيّة المؤدّية الى اصلاح المعاد فامّا ان لا يقارن العمل ولا يستخدم الخيال بل يستخدمه الخيال فى مآربه الكاسدة ومقاصده الفاسدة ويجعل آلة الدّين شركاً للدّنيا سواء قارن صورة العمل كما فى المتعبّدين المرائين او لا، كما فى المتهتّكين الّذين لا يبالون بما عملوا ولا بما قيل فيهم او قالوا، فهذا لا يسمّى ايضاً علماً عند اهل الله لما فيه من عدم الاشتداد بل من عدم التّوجّه الى المعلوم، الا ترى الى قوله تعالىوَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [البقرة:102] كيف اثبت لهم هذا العلم ثمّ نفاه عنهم لمّا لم يعملوا بمقتضاه، وامّا ان يقارن العمل فيما له تعلّق بالعمل ويقارن الاشتداد فيه وفيما لا تعلّق له بالعمل بان يستخدم الخيال ويستتبع المدارك والقوى ثمّ الاعضاء فى مآربه العقليّة، ويترقّى القوى والاعضاء من حضيض التأبّى الى اوج الانقياد والتّسليم والعقل من مقام حصول صورة المعلوم عنده الى مقام حضوره، فانّ العلم يقتضى العمل فاذا قارن مقتضاه اشتدّ ولم يقف حتّى يتحقّق العالم بالمعلوم ويتّحد العلم والعالم والمعلوم، فهذا العالم هو الّذى يرى قدرة الله وعلمه وحكمته فى كلّ مقدور ولذا جعل تفصيل الآيات من فلق الحبّ الى جعل النّجوم سبباً للهداية لهذا العالم، وقد مضى تحقيق العلم ومراتبه فى سورة البقرة عند قوله تعالى

السابقالتالي
2