الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }

{ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } لرفع القبح عن اشراكهم بل لتحسينه بعد ان عجزوا عن الحجّة { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ } كما هو ديدن النّفس والمرأة الفاحشة فانّهما لا ترضيان بنسبة السّوء الى انفسهما بل تحسّنان القبيح بما امكن، فاذا عجزتا عن ذلك تنسبانه بالتّسبيب الى غيرهما من الشّيطان والقرين ومشيّة الله وهو كذب محض، فانّ الشّيطان والقرين ليس لهما الاّ الاعداد، والمشيّة وان كانت فاعلة او سبباً للفعل لكنّ الفاعل ما دام يرى نفسه فى البين ليس له نسبة الفعل الى المشيّة او تعليقه عليها ولو نسب لا ينبغى الغفلة عن استعداد القابل وبهذا يرتفع التناقض المترائى بين تكذيبهم فى قولهم هذا وبين تعليق ذلك على المشيّة فى قوله ولو شاء الله لهديكم { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم } اى مثل تكذيبهم ايّاك بتعليق الاشراك والتّحريم على المشيّة دون نسبته الى انفسهم كذّب الّذين من قبلهم انبياءهم (ع) { حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ } يعنى ليس عندكم برهان على دعويكم يمكنكم الاحتجاج به على الغير، واطلاق العلم على البرهان من قبيل اطلاق المسبّب على السّبب، او لانّ البرهان هو العلم الّذى يحصل به علم اخر ولمّا كان البرهان هو الّذى يمكن اعلام الغير به قال فتخرجوه لنا فنفى بهذا عنهم البرهان وبقوله ان تتّبعون (الى آخره) نفى علمهم مطلقاً، يعنى لا برهان لكم ولا شهود ولا سماع عن صادق او وحى وبقوله قل هلمّ شهداء كم نفى صحّة تقليدهم لانّ التحدّى بمثل هذا يدلّ على عدم شاهد لهم يصحّ الاعتماد عليه { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } يعنى لا علم لكم فى انفسكم بمدّعاكم كما لا برهان لكم لاعلام غيركم، ذمّهم اوّلاً على اتّباع الظّنّ فى اعمالهم، وثانياً على انّ شأنهم الخرص والتّخمين لا العلم واليقين، والعاقل لا يقف على الظّنّ والتّخمين بل يتعمّل فى تحصيل العلم واليقين وما لم يحصل اليقين يقف عن العمل الاّ اذا اضطّر فيحتاط لا انّه يتّبع الظن فيعمل ويفتى بظنّه من غير اذنٍ واجازةٍ ولا يحصل اليقين الاّ بالبيان والبرهان، او بادراك مدارك الحيوان، او بالوحى والعيان، او بتلقيد صاحب الوحى وخليفة الرّحمن، فمن ظنّ انّ الظّنّ مطلقاً والاستحسان طريق حكم الله او المخطئ له اجرٌ والمصيب له اجران فقد أخطأ طريق الجنان وسلك طريق النّيران فمن فسّر القرآن برأيه واحكام الله نزول القرآن فليتبوّء مقعده من النّيران، وامّا الخاصّة فظنونهم قائمة مقام العلم بل نقول ظنونهم اشرف واعلى من العلم فقد حقّقنا سابقاً انّ اجازة المجيز اذا كانت الاجازة الصّحيحة بلغت الى المجاز تجعل ظنّ المجاز اشرف من علم غيره لانّ العلم بدون الاجازة لا اثر فى قول قائله والظّنّ مع الاجازة يؤثّر وليس الاجازة الآهليّة بأقلّ من الاجازة الشّيطانيّة، والحال انّ المرتاضين بالاعمال الشّيطانيّة ان تعلّموا تعلّماً صحيحاً مع تصحيح الالفاظ جميع المناطر لم يؤثّر شيءٌ منها ما لم يجزه صاحب الاجازة، واذا اجازه صاحب الاجازة يؤثّر قوله ولو كان مغلوطاً، فالاجازة تجعل المغلوط اشرف من الصّحيح وهكذا الحال فى الاجازة الآلهيّة ولمّا نفى البرهان عنهم فى تعليق الاشراك والتّحريم على مشيّة الله المفهوم من مفهوم الشّرط، فانّ المراد بقرينة المقام من هذا الشّرط الدّلالة على تعلّق الاشراك بمشيّة الله وان كان بحسب اللّغة أعمّ، ونسب تكذيب النّبىّ (ص) اليهم بذلك التّعليق مشعراً بذمّهم فيه واوهم ذلك نفى تعليق الافعال على المشيّة امر نبيّه (ص) بان يقول لهم: انّ البرهان منحصر فى الله وفيمن اخذ عن الله تمهيداً لتعليق الافعال على مشيّة الله رفعاً لتوهّم عدم سببيّة المشيّة النّاشى عمّا سبق فقال تعالى { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ }.