الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

{ وَجَعَلُواْ للَّهِ } بيانٌ لظلمهم وعطف باعبتار المعنى اى انّهم ظلموا او جعلوا لله { مِمَّا ذَرَأَ } اى خلق { مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ } من غير حجّةٍ وسلطانٍ { وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } يعنى اصنامهم { فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ } لانّ الوصول الى الله لا يكون الاّ اذا كان الصّدور ايضاً من الله وليس لهم لطيفة آلهيّة تصير سبباً لان يكون الصّدور من الله { وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ } لما ذكر { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } بتشريك المخلوق للخالق وجعل النّصيب من المخلوق للخالق من غير امرٍ منه، روى انّهم كانوا يعيّنون شيئاً من حرثٍ ونتاجٍ لله ويصرفونه الى الصّبيان والمساكين وشيئاً منهما لآلهتهم وينفقونه على سدنتها ويذبحون عندها، ثمّ ان رأوا ما عيّنوا لله ازكى بدّلوه بما لآلهتهم، وان رأوا ما لآلهتهم ازكى تركوه لها حبّاً لآلهتهم واعتلّوا لذلك بانّ الله غنىٌّ. اعلم، انّ فى الانسان لطيفةً آلهيّةً تسمّى عقلاً وعقل المعاش طليعة منه وهو المتصرّف والحاكم من الله فى وجوده، ولطيفة شيطانيّة تتصرّف فيه وتحكم عليه والاوّل هو الاله فى العالم الصّغير والثّانى هو الشّيطان فى العالم الصّغير، والانسان واقع بين الحاكمين والغرض من تكليف الانسان بالاعمال الشّرعيّة خلاصه من حكومة الشّيطان ودخوله تحت حكومة الله وخلوص حكومته، فمن أخلص نفسه لقبول حكومة الله فهو مؤمنٌ موحّدٌ ومن اخلص نفسه لحكومة الشّيطان فهو كافرٌ بل هو شيطان مريد، ومن أشرك بين الحكومتين فهو مشرك موزّع لجملة اعماله ومكاسبه عليهما، ولمّا كان الله تعالى شأنه أغنى الشّركاء فما كان لشريكه فلا يصل الى الله، وما كان لله فهو يصل الى شريكه، لانّ الشّيطان ما دام له حكومة ما فى وجود الانسان فكلّما عمل لله يداخله الشّيطان قبل العمل اوحينه او بعده من مداخل خفيّةٍ، حتّى يجعل نفسه شريكاً للّطيفة الآلهيّة، ولمّا كان الله أغنى الشّركاء يترك ما جعل ما بشراكة غيره الى الشّريك فما كان خالصاً للشّريك كان له وما كان لله يدعه الله للّشريك، وفى لفظ ذرأ اشارة الى كمال سفاهتهم حيث جعلوا لله ممّا خلقه نصيباً له والخالق اقوى مالكٍ لمخلوقه.