الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

هذه الجمل فى مقام التّعليل للامر بالاجتناب والطّاعة، اعلم انّ للانسان من اوّل تميزه الى آخر مراتبه تطوّراتٍ ونشأتٍ، وبحسب كلّ نشأة له اعمال وارادات وشرور وخيرات وللسّالك الى الله من بدو سلوكه الى آخر مراتبه الغير المتناهية مقامات ومراحل واسفار ومنازل، والتّقوى تارة تطلق على التّحفّظ عن كلّ ما يضرّ للانسان فى الحال او فى المآل وهو معناه اللّغوىّ، وبهذا المعنى تكون قبل الاسلام وقبل الايمان ومعهما وبعدهما، وتارة تطلق على التّحفّظ عمّا يصرفه عن توجّهه الى الايمان، وبهذا المعنى تكون مع الاسلام وقبل الايمان ومع الايمان لكن فى مرتبة الاسلام فانّه ما لم يسلم لم يتصوّر له توجّه واهتداء الى الايمان حتّى يتصوّر صارف له عن الايمان وحفظ عن ذلك الصّارف، والتّقوى بهذا المعنى عبارة عن تحفّظ النّفس عن جملة المخالفات الشّرعيّة، وتارة تطلق على ما يصرفه عن الطّريق الموصل له الى غايته ويدخله فى الطّريق الموصلة الى الجحيم، وبهذا المعنى لا تكون قبل الايمان لانّه لم يكن حينئذٍ فى الطّريق بل تكون مع الايمان الخاصّ الّذى به يكون الوصول الى الطّريق، والايمان قد يطلق على الاذعان وهو معناه اللّغوى وقد يطلق على ما يحصل بالبيعة العامّة وهو الايمان العامّ المسمّى بالاسلام، وقد يطلق على ما يحصل بالبيعة الخاصّة الولويّة وهو الايمان الحقيقىّ، وقد يطلق على شهود ما كان موقناً به وهو الايمان الشّهودىّ وقد سبق فى اوّل سورة البقرة تحقيق وتفصيل للايمان، والتّقوى وصلاح العمل بخروج الانسان من امر نفسه فى العمل ودخوله تحت امر آمرٍ آلهىٍّ، وفساده بدخوله تحت امر نفسه، والجناح بمعنى الحرج والاثم، والطّعم كما يطلق على الاكل والشّرب الظّاهرين يطلق على مطلق الفعل ومطلق الادراك من الجزئيّة والكلّيّة ففعل القوى المحّركة اكلها، وادراك المدارك الجزئيّة والكلّيّة اكلها، وكذلك تصرّفات القوى العّلامة لتهيّؤ القوى العمّالة اكلها، والانسان من اوّل تميّزه نشأته نشأة الحيوان لا يدرى خيراً الا ما اقتضته القوى الحيوانيّة ولا شرّاً الاّ ما استكرهته ولا يتصوّر له التّقوى سوى التّقوى اللّغويّة، فاذا بلغ مقام المراهقة حصل له فى الجملة تميز الخير والشّرّ الانسانيّين وتعلّق به زاجر آلهىّ باطنىّ بحيت يستعدّ لقبول الامر والنّهى من زاجرٍ بشرىّ، لكن لا يكلّف لضعفه ويمرّن لوجود الاستعداد والزّاجر الباطنىّ ويتصوّر له التّقوى بالمعنى الاوّل والثّانى فى هذا المقام بمقدار تميزه الخير والشّرّ الانسانيّين، فاذا بلغ او ان التّكليف وقوى التميز والاستعداد والزّاجر الآلهىّ تعلّق به التّكليف من الله بواسطة النّذر، وبقبوله التّكليف بالبيعة والميثاق يحصل له الاسلام ويتصوّر له التّقوى ايضاً بالمعنى الاوّل والثّانى، ولا يتصوّر له التّقوى بالمعنى الثّالث لعدم وصوله الى الطّريق بعد، وفى هذا المقام يكلّفه الملكّف الآلهىّ بالتّكاليف القالبية وينبّهه على انّ للانسان طريقاً الى الغيب وله بحسب هذا الطّريق تكاليف أُخر ويدلّه على من يريه الطّريق ويكلّفه التّكليفات الاُخر اشارة او تصريحاً، او يريه بنفسه الطّريق فاذا ساعده التّوفيق وتمسّك بصاحب الطّريق حتّى قبله وكلّفه بالبيعة والميثاق التّكليفات القلبيّة صار مؤمناً بالايمان الخاصّ ومتمسّكاً بالطّريق متّقياً بالمعنى الثّالث وسالكاً الى الله وله فى سلوكه مراحل ومقامات وزكوة وصوم وصلوة وتروك وفناءات.

السابقالتالي
2