الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }

{ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

اعلم، انّ رضا الله عن العبد ليس الاّ حين رضا العبد عن الله، وهل رضا العبد مقدّم او رضا الله؟ - الاخبار وكلمات الابرار فى ذلك مختلفة، ولعلّ اهل الشّهود منهم ما حقّقوا ذلك ولذلك اظهر بعضهم التّحيّر فيه وفى امثاله. والتّحقيق انّ هذه المسألة دوريّة بمعنى انّ ذكر الله او توبته او رضاه مقدّم بحسب مرتبةٍ منه على ما للعبد بحسب مرتبةٍ منه وما للعبد مقدّم على ما لله بحسب مرتبةٍ اخرى بل التّحقيق انّ ما للعبد عين ما لله لكن نسبته الى الله مقدّمة فى نفس الامر على نسبته الى العبد لكن اعتبار تلك النّسبة يختلف بحسب حال النّاظر، فمن كان نظره الى الله مقدّماً على نظره الى نفسه كما ورد عن علىٍّ (ع): ما رأيت شيئاً الاّ ورأيت الله قبله، كان نسبته الى الله مقدّمةً على نسبته الى العبد، ومن كان نظره الى نفسه مقدّماً على نظره الى الله كان نسبته الى العبد مقدّمة ً، ومن كان نظره اليهما على السّواء كان متحيّراً فى التّقديم والتّأخير والى هذين النّظرين اشير فى الخبر بقوله (ص): " ما رأيت شيئاً الاّ ورأيت الله بعده " وبقوله (ص): " ما رأيت شيئاً الاّ ورأيت الله فيه " ، وامّا من لم ير مثل المعتزلىّ الاّ نسبة الافعال والصّفات الى العباد فليس الكلام معه ولعلّ قوله تعالى:فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [البقرة:152] خطابٌ مع هؤلاء وهم اغلب العباد، وقوله:وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [الإنسان:30] خطابٌ مع الفرقة الاولى او تنبيهٌ للكلّ على انّ نسبة الاوصاف الى الله مقدّمة على نسبتها الى العباد { إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } أتى باذ الّتى هى للماضى لانّ نزول الآية كان بعد وقوع الواقعة، وأتى بالمضارع بعدها للاشارة الى تكرّر الفعل فانّ البائعين فى ذلك اليوم كانوا كثيرين، وسبب رضا الله تعالى عنهم فى تلك البيعة انّهم لمّا خالفوا رسول الله (ص) وقاتلوا مع قريش وانهزموا هزيمةً منكرةً ندموا على مخالفتهم لرسول الله (ص) وتابوا الى الله واستغفروا رسوله وبايعوا معه عن صميم القلب ولم يكن لهم حين تلك البيعة انانيّةٌ اصلاً ولذلك صاروا مستحقّين لنزول السّكينة، وشرط عليهم الرّسول فى تلك البيعة ان لا يخالفوه ولا يخالفوا قوله وأمره، ولا ينكروا بعد ذلك عليه شيئاً فعله فانّهم بعد ما انهزموا ورحل رسول الله (ص) نحو المدينة ورجع الى التّنعيم فنزل تحت الشّجرة جاؤا اليه واظهروا النّدامة فاخذ منهم العهد والميثاق بذلك وكان اوّل من بايع رسول الله (ص) حينئذٍ عليّاً (ع) ولقد آخا رسول الله (ص) بين كلّ اثنين اثنين منهم وآخا بين نفسه وبين علىٍّ (ع) { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الصّدق والتّوبة والانابة فرضى بذلك عنهم { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } لانّهم خرجوا من انانيّاتهم والسّكينة الّتى هى صورة ملكوتيّة تدخل بيت قلب العبد اذا خرج من انانيّته كما قيل: " جو تو بيرون شوى او اندر آيد " وقد مضى فى آخر سورة البقرة وفى التّوبة بيانٌ للسّكينة { وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } هو فتح خيبر.