الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } * { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }

{ تَرَى } فى الحال او سوف ترى فى الآخرة والخطاب خاصٌّ بمحمّدٍ (ص) او عامّ { ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ } خائفين { مِمَّا كَسَبُواْ } من جزاء ما كسبوا من الاعمال او من نفس ما كسبوا بناءً على تجسّم الاعمال فى الدّنيا كما هو حال بعض المذنبين او فى الآخرة كما هو حال الجميع { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } فى الدّنيا ولكن لا يشعرون به او فى الآخرة { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ } عطف على مفعولى ترى اى وترى الّذين آمنوا (الى آخرها)، او عطف على اسم انّ وخبرها، او على جملة انّ الظّالمين (الى آخرها) او على جملة ترى الظّالمين او على جملة هو واقع بهم { لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } الظّرف مستقرّ وحال عن فاعل يشاؤن او عن الموصول او عن مجرورٍ لهم او عن المستتر فيه او خبرٌ بعد خبرٍ او خبر مبتدءٍ محذوفٍ، او متعلّق بيشاؤن او بل هم { ذَلِكَ } المذكور { هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ ذَلِكَ } المذكور العظيم القدر البعيد المنزلة { ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } قد مضى مكرّراً انّ المراد فى امثال هذه العبارة بالايمان الاسلام الحاصل بالبيعة العامّة، او نفس البيعة العامّة وبالعمل الصّالح الايمان الحاصل بالبيعة الخاصّة، او نفس البيعة الخاصّة، او المراد بالايمان الايمان الخاصّ الحاصل بالبيعة الخاصّة او نفس تلك البيعة، وبالعمل الصّالح العمل بشروط تلك البيعة { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } اى على هذا الامر الّذى انا فيه من تبليغ رسالة الله ودعائكم الى الايمان بالله { أَجْراً } منكم حتّى تتّهمونى بطلب الدّنيا فى ادّعائى { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } الاستثناء متّصل والمودّة فى القربى وان كانت نافعةً لهم وتكميلاً لنفوسهم ولكن باستكمالهم ينتفع النّبىّ لكونهم (ص) اجزاءً له وسعةً لوجوده فقوله تعالى:قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ } [سبأ:47] اشارة الى كلا الانتفاعين حيث جعله اجراً له من حيث انتفاعه بمودّتهم لاستكمالهم بها وسعته (ص) باستكمالهم، فما قيل: انّه استثناء منقطع، ليس فى محلّه، والقربى مصدر قرب والمقصود المودّة فى التّقرّب الى الله او فى حال قربكم من الله فيكون بمعنى الحبّ فى الله او المعنى التّحابّ فى ما تقرّب الى الله من الاعمال، او المعنى لا أسألكم اجراً الاّ ان تودّونى لاجل قرابتى منكم، هكذا قيل، ولكن ما وصل الينا من ائمّتنا (ع) فى اخبارٍ كثيرةٍ انّ المعنى لا أسألكم اجراً الاّ ان تودّوا أقربائى، فيكون القربى مصدراً بمعنى اسم الفاعل، ويكون التّعبير بالمصدر للاشعار بانّ مودّة أقربائى نافع لكم من حيث قرابتهم لى جسمانيّة كانت القرابة او روحانيّة، وروى انّ رسول الله (ص) حين قدم المدينة واستحكم الاسلام قالت الانصار فيما بينها: نأتى رسول الله (ص) فنقول له: انّه يعروك امور فهذه اموالنا تحكم فيها غير حرجٍ ولا محظورٍ عليك، فأتوه فى ذلك، فنزلت: قل لا اسألكم عليه اجراً الاّ المودّة فى القربى، فقرأها عليهم وقال: تودّون قرابتى من بعدى، فخرجوا من عنده مسلّمين لقوله فقال المنافقون: انّ هذا لشيءٌ افتراه فى مجلسه اراد بذلك ان يذلّلنا لقرابته من بعده فنزلت: ام يقولون افترى على الله كذباً، فأرسل اليهم فتلاها عليهم فبكوا واشتدّ عليهم فأنزل الله وهو الّذى يقبل التّوبة عن عباده (الآية) فارسل فى اثرهم فبشّرهم، وبهذا المضمون وبالقرب منه اخبارٌ كثيرةٌ { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } قد مضى منّا مكرّراً انّ الحسن الحقيقىّ والحسنة الحقيقيّة هى الولاية لا غير، وكلّما كان متعلّقاً بالولاية من قولٍ وفعلٍ وحالٍ وخلقٍ وعلمٍ وشهودٍ وعيانٍ فهو حسن بحسنها، وكلّما لم يكن متعلّقاً بالولاية كان قبيحاً ولذلك فسّروا فى اخبارٍ كثيرةٍ اقتراف الحسنة بولايتهم ومودّتهم سواء جعل التّنكير للتّفخيم او للتّحقير { نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } اى نزد له فى تلك الحسنة حسناً لانّ الحسنة اذا حصل منها فعليّة حسنة للنّفس وبقى الفاعل على تلك الفعليّة ولم يبطلها ولم يحرقها زادها الله تعالى لانّ الكون باقتضاء ذاته فى التّرقّى { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } يغفر ما كسب من سيّئة قبل تلك الحسنة { شَكُورٌ } واقتضاء شكوريّته الزّيادة فى تلك الحسنة الى عشرٍ الى ما شاء الله.