الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً }

{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَاعِدُونَ } مستأنف جواب لسؤال مقدّرٍ ناش من التّهديد على قتل المؤمن متعمّداً والدّية والكفّارة على قتله خطأ ومن الامر بالتبيّن عند لقاء من لا يعلم حاله وممّا كان معلوماً من مورد نزول الآية وهو قتل اسامة بن زيد يهودياً فدكيّاً جمع عياله وماله وساق غنمه وانحاز الى ناحية جبل وكان قد اسلم فقال بعد ما لقى عسكر اسامة: السّلام عليكم لا إله الا الله؛ محمّد رسول الله، فبدراليه اسامة فقتله فلمّا رجع قال له رسول الله (ص): " افلا شققت الغطاء عن قلبه، لا ما قال بلسانه قبلت، ولا ما كان فى نفسه علمت " ، ونزلت الآية فحلف اسامة بعد ذلك ان لا يقتل احداً قال لا آله الا الله، وبهذا العذر تخلّف عن علّى (ع) وقيل: نزلت فى رجل آخر كان فى سريّة لقى رجلاً كان بينهما احنة فحيّاه الرّجل بتحيّة الاسلام فقتله وجاء الى رسول الله (ص) وقال: استغفر لى، فقال رسول الله (ص) " لا غفر الله لك " وعلى اىّ تقدير صار المقام مقام ان يقال: هل القعود افضل من الجهاد ان كان فى الجهاد هذه الآفات؟ - فقال تعالى: لا يستوى القاعدون عن الحرب { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الّّذين قبلوا الدّعوة الظّاهرة سواء كانوا قبلوا الدّعوة الباطنة وبايعوا البيعة الخاصّة ام كانوا واقفين على الدّعوة الظّاهرة وعلى قبول البيعة العامّة الاسلاميّة، والظّرف مستقرّ حال عن القاعدون او عن المستتر فيه { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } قرئ برفع غير صفة للقاعدون لانّ الغير وان كان لا يتعرّف بالاضافة لغاية ابهامه لكنّه اذا اضيف الى معرّف يقع صفة للمعرفة اذا كانت المعرفة معرفة بالّلام الجنسيّة او موصولة لابهامهما مثل غير، او كان غير واقعاً بين النّقيضين، وقرئ بالنّصب حالاً عن القاعدون او عن المستتر فيه او منصوباً على الاستثناء، وقرئ بالجرّ صفة للمؤمنين، قيل: نزلت الآية فى جمع تخلّفوا عن غزوة تبوك ولم يكن فيها غير اولى الضّرر فجاء ابن امّ مكتوم وكان اعمى وهو يبكى فقال: يا رسول الله (ص) كيف بمن لا يستطيع الجهاد فغشيه الوحى ثانياً ثمّ سرّى عنه فقال " اقرء غير اولى الضّرر فألحقها والّذى نفسى بيده لكأنّى انظر الى ملحقها عند صدع فى الكتف " { وَٱلْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ } ببذلها على المجاهدين وصرفها فى سبيل الخيرات وانقاقها على انفسهم فى الجهاد وصرف قواهم الّتى هى اموالهم الحقيقيّة وكذلك نسبة افعالهم واوصافهم الى انفسهم { وَأَنْفُسِهِمْ } باتعابها فى الجهاد واجهادها فى الخيرات والرّياضات وهذا تهييج للمجاهد فى جهاده وترغيب للقاعد عن قعوده { فَضَّلَ ٱللَّهُ } جواب لسؤال مقدّرٍ كأنّه قيل: ما الفرق بينهما؟ - فقال: فضّل الله { ٱلْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَاعِدِينَ } اظهر المجاهدين والقاعدين اشعاراً بعلّة الحكم وتكراراً لوصفها الدّاعى الى التّفضيل تهييجاً وترغيباً لهما، واظهر الاموال والانفس لانّه تعالى اراد ان يعلّق حكم التّفضيل بدرجةٍ واحدةٍ على حالة بقاء نسبة الاموال والانفس اليهم حتّى يظهر الفرق بين هؤلاء المجاهدين والمجاهدين الآتين، لانّه ذكر هناك تفضيلهم على القاعدين بدرجات وما امكن الاشارة الى بقاء نسبة الاموال والانفس الا بالتّصريح بهما واضافتهما اليهم، وقدّم الاموال على الانفس لانّ المجاهد يقدّم الاموال فى الجهاد دون نفسه ولانّه مال تكن نسبة الاموال اولاً لم تكن نسبة الانفس، وقدّم القاعدين اوّلاً واخّرهم ثانياً لانّ السؤال كأنّه كان عن حال القاعدين وانّهم هل يبلغون درجة المجاهدين ام لا؟ بخلاف المجاهدين فانّ فضلهم كان معلوماً.

السابقالتالي
2