الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }

{ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ } عطف على من يشفع الى آخر الآية وجواب آخر للسّؤال السّابق وهو ما يفعل المؤمنون بمن نصحهم وان كان هو فى نفسه من الآداب المهمّة المحتاجة الى البيان لكن ادّاه بحيث يكون مرتبطاً بسابقه ليفيد تأكيداً بتقدير السّؤال، والتّحيّة فى العرف هى التّسليم لكنّ المراد منها معنىً اعمّ من التّسليم وهو ايصال الخير الى الغير بنحو الشّفقة والتّعظيم من تسليم ودعاء وثناء وتعظيم وهديّة، وكتابة فيها تعظيم وشفقة وزيارة وغير ذلك ممّا يدلّ على عظمة المحيّى فى قلب المحيّى ومحبوبيّته له، لكن اذا كان لمحض الشّفقة والمحبّة لا للاغراض الّتى فشت بين اهل الرّسوم حتّى يتأنّف العالى ظاهراً عن التّسليم على الدّانى وينتظر تسليمه ويتأنّف عن زيارته بدواً الاّ عوضاً عن زيارته، وهكذا الحال فى غيرهما فما اشتهر بين الفرس من قولهم " ديد مستحبّ؛ بازديد واجب " صحيحٌ ان لم يكن مشوباً بالاغراض الفاسدة وان كان مشوباً فالزّيادة مذمومة وعوضها ايضاً مذموم، ولذلك ورد من زار أخاه المؤمن فى بيته من غير عوضٍ ولا غرضٍ كان كمن زار الله فى عرشه، وخلوص اعمال اهل الدّنيا من الاغراض الفاسدة محال والمخالطة معهم مؤثّرة فى النّفوس الضّعيفة، فالاولى للسّالك مهما امكن ترك مخالطتهم حفظاً لنفسه عن استراق الاغراض منهم، الاّ ان تكون تقيّة لحفظ عرضٍ او مالٍ او نفس او شفقة لاصلاح حال، فانّها حينئذٍ تكون واجبة وان احتمل استراق النّفس. والمراد برّدها ليس ردّ عينها ان كانت من الاعراض الدّنيويّة فانّه لا يردّ الاحسان الاّ الحمار بل ردّ مثلها مثلاً اذا قال: سلام عليك، فقال: سلام عليك فهو ردّها، وان قال: سلام عليك ورحمة الله فهو أحسن، واحسنيّتها اعمّ من ان تكون بالزّيادة عليها او بتغيير هيئتها الى احسن منها، كما قال ابراهيم (ع) سلام فى جواب الملائكة حين قالوا سلاماً، عدولا من النّصب الى الرّفع للدّلالة على الدّوام، ويختلج ببالى ان ادوّن الرّسوم العادّية والآداب المستحبّة ان وفّقنى الله ان شاء الله ليكون السّالكون على بصيرةٍ منها، واذا ارتكبوها لا يكون عن عمى وعادةٍ صرفه { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } فيحاسبكم على تحيّاتكم وقدرها يحاسبكم ايضاً على اغراضكم فيها فلا تخالطوها بالاغراض.