الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً }

{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } من اليهود والنّصارى ويكون تعريضاً بامّة محمّد (ص) وتهديداً لهم اومن امة محمّد (ص) على ان يكون الخطاب لهم ابتداء والاوّل اظهر { آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا } من القرآن او من ولاية علىّ (ع) { مُصَدِّقاً } ومثبتاً { لِّ } صدق { مَا مَعَكُمْ } من التّوارة والانجيل او مخرجاً عن الاعوجاج والانحناء لما معكم من احكام النّبوّة وقبول طاعة النّبىّ (ص)، وان كان المراد من ظاهر اللّفظ اليهود والنّصارى فامّة محمّد (ص) مقصودة تعريضاً { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً } بمحو محاسنها واشكالها الفطريّة والكسبيّة { فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ } بتغيير صور تمام اعضائهم فنمسخم { كَمَا لَعَنَّآ } ومسخنا { أَصْحَابَ ٱلسَّبْتِ }.

اعلم انّ الانسان خلق باطنه كظاهره مستوى القامة مشتملاً على احسن هيئة يمكن له الانتقال، رجلاه منفصلتان من الارض لا كالنّبات الغائر اصله فى الارض لا يمكنه الانتقال من مكانه، مستقيماً قامته ورأسه مجرّداً بشرته محسّناً صورته بانواع المحاسن الفطريّة قابلة لانواع المحاسن الكسبيّة فكلّما بالغ فى تصفيتها وتزيينها زاد حسنها وبهاؤها وحسن صورة بدنه بخطوطها واشكالها ووضع كلّ من محالّ قواها فى موضعه اللاّئق به وبصفائها وبهائها وطراوتها وتزيينها بتصفيتها من الدّرن اللاّحق بها والحاق ما يزيّنها بها وحسن صورة باطنه ببياضها بنور الاسلام واستنارتها بنور الايمان وتوجّهها الى عالم النّور وانفصالها عن عالم الزّور وتزيينها بتصفيتها وازدياد عملها وتحسين اخلاقها بمتابعة من كان اخلاقه اخلاق الرّوحانيّين فاذا اعرض الانسان عن الولاية عن غفلة او عن جهل لم يحصل لها تزيّنها، واذا اعرض عن علم كان كمن توجّه الى قفاه، واذا تمكّن فى هذا الاعراض صار وجهه المحاذى لمقاديم بدنه منصرفاً الى قفاه كأنّه مخلوق عليه، واذا استحكم فى التّمكّن صار ممسوخاً بالمسخ الملكوتىّ، واذا استحكم هذا المسخ الملكوتىّ حتّى غلب على الملك صار صورته الملكيّة ايضاً مسخاً وعدّ بعض الفلاسفة المسخ الملكىّ من المحالات؛ وتأويل ما ورد منه فى الشّرعيّات ليس فى محلّه { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } لا مانع من نفاذه فاحذروا ما اوعدتم، ولمّا كان المقصود من الآية السّابقة تعريضاً او اصالة امّة محمّد (ص) وقد امرهم بالايمان بما نزّله وقد كان المراد ممّا نزّل ولاية علىّ (ع) كما سبق علّلها بقوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ }.