الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

{ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ } يعنى انّ التوبة حال كونها واجبة على الله بمقتضى وعده وايجابه ليست الاّ { لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } ويجوز ان يكون على الله خبراً.

تحقيق كون السّيئّات تماماً بجهالة

اعلم انّه تعالى خلق اوّل ما خلق عالم العقول الكلّيّة الّتى يعبّر عنها بالقلم والملائكة المقرّبين والكتاب المبين وغير ذلك من الاسماء اللائقة المطلقة عليها، ثمّ عالم العقول العرضية التي تسمى في لسان الجكماء بأرباب الأنواع وأرباب الطلسمات وبالأرواح وبالصّافّات صفّاً، ثمّ عالم النّفوس الكلّيّة الّتى تسمّى باللّوح المحفوظ والمدبّرات امراً، ثمّ عالم النّفوس الجزئيّة الّتى تسمّى بالملائكة ذوى الاجنحة وبالقدر العلمىّ ولوح المحو والاثبات وبعالم الملكوت العليا وبعالم المثال والاشباح النّوريّة، ثمّ عالم الاجسام علويّة كانت او سفليّة من العناصر ومواليدها وتسمّى بالاشباح الظّلمانيّة والقدر العينىّ، ثمّ عالم الارواح الخبيثة الّتى هى الشّياطين والجنّة والارواح البشريّة الّتى تلحق بها وتسمّى بعالم الملكوت السّفلىّ وهذا العالم بحسب رتبة الوجود تحت عالم الطّبع كما انّ عالم المثال النّورىّ فوق عالم الطّبع، وهذا العالم أنكره كثيرٌ من الحكماء القائلين بالاشباح النّوريّة والاجسام المجرّدة الّتى تسمّى عندهم بعالم المثال وهم اتباع صاحب الاشراق، والمشّاؤن أنكروا المثال النّورىّ فضلاً عن الظّلمانىّ وقالوا: انّ الموجود الممكن امّا مجرّد صرف او مادّىّ صرف وامّا المتقدّر المجرّد عن المادّة فلا وجود له، وامّا المتكلّمون والفقهاء فليس شأنهم البحث عن امثال هذا من حيث اشتغالهم بالفقه والكلام فانّ موضوع الفقه افعال العباد من حيث الصّحّة والفساد الشّرعىّ، وموضوع الكلام العقائد الدّينيّة المأخوذة عن المسلّميّات، والدّليل على وجود العالمين شهود اهل الشّهود لهذين العالمين ومنامات عامّة الخلق ورؤيتهم في المنام الملذّات والموذيات ومطابقة رؤياهم للواقع فى بعض الاوقات، ولولا شهودهم لتينك فى عالم محقّق مطابق لما فى هذا العالم محيط به لما طابق الواقع وخلوّ المثال النّورىّ عمّا يؤذى دليل على المثال الظّلمانىّ، وتصرّفات اهل الشّر فى هذا العالم مثل تصرّفات اهل الخير شاهد على وجود المثال الظّلمانىّ واحاطته بهذا العالم، واطّلاع اهل الشّرّ على المغيبات واشرافهم على الخواطر كاطلاّع اهل الخير يشهد بذلك، واشارات الكتاب وشواهد السّنّة على وجود هذا العالم كثيرة، فتح الله عيوننا بها، ولمّا كانت العوالم تجليّاته تعالى شأنه واسماؤه اللّطفيّة سابقة على اسمائه القهريّة كان خلق العوالم النّوريّة بارواحها واشباحها من تجليّاته اللّطفيّة الخاصة، ولمّا تمّ تجلّياته النّوريّة الخالصة في عالم المثال النّورىّ تجلّى باسمائه اللّطفيّة والقهريّة فصار عالم الطّبع موجوداً، ثمّ تجلّى باسمائه القهريّة بحيث كان اللّطف مقهوراً تحت القهر فصار عالم المثال السّفلى موجوداً، وبوجه آخر لمّا انتهى تجليّاته تعالى الى عالم الطّبع وقفت وما نفذت عنه لكثافته واظلامه فانعكست تلك التّجليّات كانعكاس الضّوء عن المرآة فصار ذلك العكس مثالاً لهذا العالم، نوريّاً صاعداً بازاء المثال النّورىّ النّازل وحصل من كثافة هذا العالم ظلّ ظلمانىّ تحته فصار مثالاً ظلمانيّاً وهذا المثال الظّلمانىّ محلّ للشّياطين وابالستها والجنّة وعفاريتها، وبهذا العالم يصحّح الجحيم ودركاتها وحميمها وحيّاتها وجميع موذياتها وبه يتمّ الارض وطبقاتها، ولا حاجة لنا الى تأويل شيء ممّا ورد فى الشّريعة المطهّرة من امثال ما ورد في المعاد الجسمانىّ والجنّة والشّياطين وغير ذلك كما فعله المشّاؤن والاشراقيّون من الحكماء، ولا الاكتفاء بمحض التّقليد والسّماع عن صادق من غير تحقيق وتفتيش عن حقيقة ما ورد، كما قنع به الشّيخ الرّئيس فى المعاد الجمسانىّ لانكاره العالمين، وكما قنع به المقلّدون الذّين ليس شأنهم التّفتيش والتّحقيق بل نقول: هذا باب من العلم ينفتح منه الف باب لاهل التّحقيق والبصيرة، واهل الله من اهل المكاشفة اكتفوا في بيان هذا الباب بالاشارات من غير كشف حجابٍ اقتفاءً لسنّة السنّة وسيرة الكتاب ولم يأت احد منهم بما فيه تحقيق وتفصيل اتّباعاً لاصحاب الوحى والتّنزيل، ولاهل العالم السّفلىّ كاهل العالم العلوىّ لتجرّدهم عن المادّة قدرة وتصرّف في اجزاء العناصر والعنصريّات اىّ تصرّف شاؤا، وللعنصريّات بواسطة مادّتها جهة قبول عنهم من غير اباء وامتناع، ومن هنا وهم الثّنويّة لمّا كاشف رؤساؤهم هذين العالمين وشاهدوا تصرّف اهلهما في عالم العناصر فقالوا: انّ للعالم مبدئين نوراً وظلمةً او يزدان واهريمن، ومن هنا وهم الزّنادقة من الهنود لمّا كاشف رؤساؤهم العالم السّفلىّ من الملكوت وشاهدوا تصرّف اهله في عالم العناصر ولم يفرّقوا بين الارواح الخبيثة والطيّبة، لانّ للارواح الخبيثة كالارواح الطيّبة نورانيّةً عرضيّةً مانعةً عن ظهور ظلمتها لمن لا يشاهد الارواح الطيّبة، فقالوا انّ طريق الاتّصال بعالم الارواح متعدّد؛ طريق الانبياء والرّياضة بالاعمال الشّرعيّة وهذا ابعد الطّرق، وطريق الرّياضة بالمخالفة للشّرائع الآلهيّة وهذا اقرب الطّرق؛ فيرون انّ اعظم الاعمال فى هذا الباب سفك الدّماء وشربها وخصوصاً دم الانسان والزّنا وخصوصاً مع المحارم فيسفكون الدّماء ويجعلونها فى الدّنان ويشربون منها ويشربون من يدخلونه فى طريقهم منها ويزنون مع النّساء المحصنات فى حضور الازواج، ويهتكون الكتب السّماويّة بتعليقها فى المزابل وغير ذلك من الشنائع وهم صادقون فى انّها اعظم الاعمال فى الوصول الى الارواح، لكنّهم مغالطون بين الارواح الخبيثة والارواح الطيّبة ويقصرون الارواح فى الارواح الخبيثة ولا يدرون انّ الاتصال بها اصطلاء فى النّار ودخول فى الجحيم مع الاشرار.

السابقالتالي
2