الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }

{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ } استفهام انكارىّ فيه معنى التّعجّب عطف على من يعمل من الصّالحات باعتبار لازمه الّّذى هو معنى لا احد احسن ديناً منه، واشارة الى علّة الحكم والى وصفٍ آخر لهم مشعر بالمدح، فانّ المراد بمن اسلم وجهه لله هو المؤمن، والمراد بالمحسن من يعمل من الصّالحات، فانّ الايمان هو انقياد وجهك الباطنّى واخلاصه لمن بايعت على يده، ولمّا كان من بايعت على يده بيعة حقّةً واسطة بينك وبين الله كان اخلاص الوجه له اخلاصاً لله وهو علىّ (ع) او خلفاؤه، والاحسان هو ان يكون العمل صادراً عن امر هو اصل فى الحسن، وهو علىّ (ع) وخلفاؤه (ع) كما سبق فى بيان العمل الصّالح كأنّه قال: ولا احد احسن ديناً منهم لانّ حسن الدّين امّا بالعمل وهو ان يكون صادراً عن امر الحسن الحقيقى، وامّا بالاعتقاد والعمل الجنانىّ وهو ان يكون عارفاً لامام زمانه مسلماً وجهه له بالبيعة على يده وهو الحسن الحقيقىّ، وهؤلاء متّصفون بوصف العمل الصّادر عن امر الحسن الحقيقىّ والانقياد اعتقاداً للحسن الحقيقىّ، وفى النّبوىّ المشهور اشارة الى ما ذكرنا من تفسير المحسن فانّه (ص) قال: " الاحسان ان تعبد الله كأنّك تراه فان لم تكن تراه فانّه يراك " ، يعنى انّ الاحسان يصدق اذا كان العمل بمشاهدة الله يعنى بمشاهدة امره حتّى يكون المصدر هو امره، وتقديم العمل الصّالح فى المعلول لكون العنوان الاعمال وجزاءها، وتأخير الاحسان الّّذى هو بمعناه فى العلّة لتقدّم الايمان على العمل الصّالح ذاتاً { واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } فيه اشارة الى انّ المراد بالمحسن العامل بالاعمال القلبيّة الولويّة المخلّية للنّفس عن الرّذائل والهواجس والوساوس المحليّة لها بالخصائل والالهامات والتّحديثات والمشاهدات والمعاينات، والمراد بالتّابع لملّة ابراهيم (ع) هو العامل بالاعمال القالبيّة والاحكام النّبويّة من المفروضات والمسنونات وترك المنهيّات، فانّ من تاب على يد علىّ (ع) وتلقّى منه آداب السّلوك واحكام القلب لا بدّ له من العمل بأحكام القالب فانّها كالقشر لاحكام القلب فما لم يحفظ القشر لم يحفظ اللّبّ، وحنيفاً حال عن التّابع او الملّة او ابراهيم (ع) وعدم مراعات التّأنيث امّا لتشبيه الحنيف بالفعيل بمعنى المفعول، او لكسب الملّة التّذكير من المضاف اليه لصحّة حذفه، والحنيف بمعنى الخالص او المائل عن الاديان الاُخر، او الرّاغب الى الاسلام الثّابت عليه { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } عطف مشعر بالتّعليل او حال بتقدير قد او بدون التّقدير على خلافٍ فيه، فى الخبر عن الصّادقين (ع) انّ الله تبارك وتعالى اتّخذ ابراهيم عبداً قبل ان يتّخذه نبيّاً، وانّ الله اتّخذه نبيّاً قبل ان يتّخذه رسولاً، وانّ الله اتّخذه رسولاً قبل ان يتّخذه خليلاً، وانّ الله اتّخذه خليلاً قبل ان يتّخذه اماماً، وقد اشار بعد الاشارة الى انتهاء العبوديّة الى المراتب الاربع الكلّيّة الّتى هى امّهات مراتب الخلافة الآلهيّة، وتحت كلّ مرتبة منها مراتب جزئيّة الى غير النّهاية، وشرحها على سبيل الاجمال بحيث لا يشمئزّ منه طباع الرّجال ولا يصير سبباً للشّين والجدال ان يقال: انّ الانسان من بدو خلقته الى آخر مراتب وجوده الّتى لا نهاية لها يطرو عليه الاحوال المختلفة ويتشأّن بشؤن متضادّة كأنّه كلّ يوم هو فى شأن: فاوّل خلقته نطفة فى قرارٍ مكينٍ، ثمّ يتدّرج فى اطوار الجماديّة الى ان وصل الى مرتبة النّبات متدرّجاً فيه، الى ان ينفخ فيه الرّوح الحيوانيّة متدّرجاً الى ان ينفخ فيه الرّوح الدّماغيّة، ثمّ بعد استحكام اعضائه وبشرته بحيث يستعدّ لمباشرة الهواء يتولّد وفيه المدارك الحيوانيّة الظّاهرة بالفعل متدرّجاً الى ان صار مداركه الباطنة بالفعل وفيه العقل بالقوّة ويسمّى العقل الهيولانىّ، وغذاءه فى الرّحم دم منضوج يصلح لان يكون غذاءه، وبعد التّولّد ايضاً دم مستحيل الى اللّبن ليكون موافقاً لبدنه، وبعد استحكام اعضائه وشدّة عظمه وغلظه بحيث لا يستضرّ بغير اللّبن يفطم من اللّبن ويغتذى بلذائذ الاغذية، ولا يعرف الاّ ما يشتهيه الى ان يصل الى او ان المراهقة ويميز بين الخير والشّرّ فى الجملة متدرّجاً فيه الى زمان الرّشد واستعداد التّميز بين الخير والشّرّ الباطنين، وحينئذٍ يصير عقله بالفعل ويستعدّ لان يدرك الاوامر والنّواهى التّكليفيّة.

السابقالتالي
2 3 4