الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } * { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

{ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } قد سبق فى سورة النّساء بيان الآية { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } اتى بثمّ للاشارة الى التّعقيب فى الاخبار فانّ خلق الجماعة الكثيرة من نفسٍ واحدةٍ لا غرابة فيه، وخلق الزّوج الّتى تكون شريكة لها فى خلق الجماعة الكثيرة منها امرٌ غريبٌ بالنّسبة اليه { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } قد سبق بيان الثّمانية الازواج فى سورة الانعام وانزل بمعنى خلق كما نسب الى امير المؤمنين (ع)، واستعمال انزل للاشعار بانّ شيئيّة الشّيء بفعليّته الاخيرة والفعليّة الاخيرة لكلّ ذى نفسٍ هى نفسه والتّحقيق انّ النّفوس وان كانت جسمانيّة الحدوث لكنّها منزلة من سماء الارواح وارباب الانواع الى افراد الانواع فاستعمال انزل فى معنى خلق لم يكن على سبيل المجاز { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } حيواناً سويّاً بعد خلق اللّحم والعظام بعد المضغة والعلقة والنّطفة { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ } ظلمة البطن والرّحم والمشيمة كما فى الخبر { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ } الّذى هذه المذكورات اوصافه وافعاله { رَبُّكُمْ } فلا تطلبوا ربّاً سواه { لَهُ ٱلْمُلْكُ } جملة ما يملك ممّا سواه اوّله عالم الملك مقابل الملكوت { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } لمّا بالغ فى وعظهم وصرفهم عن المعبودات الباطلة توهّم انّ الله تعالى للاحتياج اليهم يستصرفهم عن المعبودات، فرفع ذلك التّوهّم بانّ اهتمامه لصرفكم اليه ليس الاّ محض الرّحمة والتّفضل عليكم لا لاحتياجه اليكم { وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ }.

تحقيق كون الكفر بارادة الله وعدم رضاه به ورضاه بالايمان

قد سبق فى مطاوى ما سلف انّ الرّحمة الرّحمانيّة الّتى بها وجود الاشياء وبقاؤها بمنزلة المادّة للرّحمة الرّحيميّة والغضب، وللرّضا والسّخط، وللهداية والاضلال، وانّ المكوّنات كلّها كمالاتها الاوّليّة الذّاتيّة تحصل بالرّحمة الرّحمانيّة، والكمالات الثّانية الّتى تصل اليها تكويناً ان لم يعقها عائقٌ تحصل بالرّحمة الرّحيميّة ويقال لها: الولاية التّكوينيّة والرّضا التّكوينىّ، وانّ ذوى العقول وصولها الى كمالاتها الثّانية التّكليفيّة بالرّحمة الرّحيميّة، ويقال لها: الولاية التّكليفيّة والرّضا والهداية والتّوفيق وغير ذلك، وانّ انحراف المكوّنات تكويناً عن طريقها المستقيمة الّتى تكون بالفطرة سالكة عليها الى كمالاتها الثّانية وانحراف المكلّفين عن طريقهم المستقيمة التّكليفيّة لا تكون الاّ بارادة الله ومشيّته لكن ذلك الانحراف لا يكون الاّ من نقص مادّته وحدود وجوده فيكون نسبته الى نفسه اولى من نسبته الى خالقه ويكون غير مرضىٍّ لله وان كان مراداً له فانّ الارادة بحسب الرّحمة الرّحمانيّة، والرّضا بحسب الرّحمة الرّحيميّة ويكون مبغوضاً ومسخوطاً وصاحبه مخذولاً وضالاًّ وغير قابل للولاية التّكوينيّة او التّكليفيّة { وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ } لانّ الشّكر من الكمالات الثّانية التّكليفيّة وقد فسّر الكفر بالخلاف اى خلاف الولاية وخلاف الامام والشّكر بالولاية والمعرفة { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } ردّ لمن قال للّذين آمنوا بلسان القال كما حكى الله تعالى او بلسان الحال كما هو شأن المنافقين من الامّة وكما هو شأن المترأّسين فى الدّين من غير اذنٍ واجازةٍ:

السابقالتالي
2