الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ } استينافٌ جوابٌ لسؤالٍ ناشٍ من الاهتمام بشأن النّبىّ (ص) وتفخيمه واسترضائه كأنّه قيل: ما بال النّبىّ (ص) وقد بالغ الله فى تعظيمه وتحفّظ نسائه؟! او ابتداء كلام منقطع عن سابقه وتمهيد لامر المؤمنين بالصّلٰوة عليه { يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ }.

اعلم، انّ الاخبار فى فضيلة الصّلٰوة على محمّدٍ وآل محمّد وانّها افضل من جملة الاذكار من طريق الخاصّة والعامّة اكثر من ان تحصى؛ ففى بعض الاخبار: من صلّى عليه فى دبر كلّ صلٰوة الصّبح وصلٰوة المغرب قضى الله له مائة حاجةٍ، سبعين فى الدّنيا وثلاثين فى الآخرة، وفى بعضها: انّ ملكاً قائم الى يوم القيامة ليس احد من المؤمنين يقول: صلّى الله على محمّدٍ وآله وسلّم الاّ وقال الملك: وعليك السّلام، ثمّ يقول الملك: يا رسول الله (ص) انّ فلاناً يقرئك السّلام فيقول رسول الله (ص): وعليه السّلام، وفى بعضها: كلّ دعاءٍ محجوبٌ عن السّماء حتّى يصلّى على محمّدٍ وآل محمّدٍ، وفى بعضها: اذا كان ليلة الجمعة نزل من السّماء ملائكة بعدد الذّرّ فى ايديهم اقلام الذّهب وقراطيس الفضّة لا يكتبون الى ليلة السّبت الاّ الصّلٰوة على محمّدٍ وآل محمّدٍ، وفى بعضها: ثواب الصّلٰوة عليه وآله الخروج من الذّنوب كهيئة يوم ولدته امّه، وفى بعضها: لم يبق عليه من ذنوبه ذرّة، وفى بعضٍ: من صلّى على محمّدٍ وآل محمّد عشراً صلّى الله عليه وملائكته الفاً، وفى بعضها: من صلّى على النّبىّ صلٰوةً واحدةً صلّى ا لله عليه الف صلٰوةٍ فى الف صفٍّ من الملائكة، ولم يبق شيءٌ ممّا خلق الله الاّ صلّى على العبد لصلٰوة الله وصلٰوة ملائكته؛ فمن لم يرغب فى هذا فهو جاهل مغرور قد برأ الله منه ورسوله (ص) واهل بيته (ع)؛ وفى بعضها: ما فى الميزان شيءٌ اثقل من الصّلٰوة على محمّد وآل محمّدٍ، وفى بعضها: من صلّى علىّ ولم يصلّ على آلى لم يجد ريح الجنّة وانّ ريحها ليوجد من مسيرة خمس مائة عامٍ، وفى بعضها: اذا صلّيت العصر يوم الجمعه فقل: اللّهمّ صلّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ الاوصياء المرضيّين بافضل صلواتك، وبارك عليهم بافضل بركاتك، والسّلام عليهم وعلى ارواحهم واجسادهم ورحمة الله وبركاته، فانّ من قالها بعد العصر كتب الله عزّ وجلّ له مائة الف حسنةٍ ومحا عنه مائة الف سيّئةٍ، وقضى له بها مائة الف حاجةٍ، ورفع له بها مائة الف درجةٍ، وفى بعضها: صلّت الملائكة علىّ وعلى علىٍّ (ع) سبع سنين وذلك انّه لم يصلّ معى احدٌ غيره، وفى بعضها: صلّ على النّبىّ (ص) كلّما ذكرته، او ذكره ذاكرٌ عندك فى اذانٍ وغيره، وقد أفتى كثير بوجوب الصّلٰوة عليه اذا ذكرته او ذكره ذاكرٌ عندك،

فضيلة الصّلٰوة على النّبىّ (ص) واسرارها

وقد اختلف الاخبار فى بيان اللّفظ الّذى يصلّى به عليه، ويستفاد من جملتها واختلافها انّ المقصود هو التّوجّه والاقبال عليه على سبيل التّعظيم ولا اعتبار لخصوصيّة لفظٍ مخصوصٍ فى ذلك ولذلك اختلف الاخبار فى تعيين اللّفظ، والسّرّ فى فضل الصّلٰوة والاهتمام بها والتّأكيد فيها عند ذكر محمّدٍ (ص) وتفضيلها على سائر الاذكار كما اشير اليه فى الاخبار انّ اللّطيفة السّيّارة الانسانيّة الّتى هى الامانة العظمى الّتى اخرجها الله من خزانته الخاصّة به وامرّها على سماوات الارواح والعقول والنّفوس وعلى اراضى الاشباح النّوريّة والاشباح الطّبيعيّة الّتى يعبّر عنها بالسّماوات الطّبيعيّة والاراضى الطّبيعيّة وجبال المواليد، فأبين ان يحملنها لما رأين انّها من مقام الاطلاق وليس لائقاً لحملها الاّ ما فيه استعداد الخروج من مقام التّقيّد والحدود والوصول الى مقام الاطلاق والوجوب، ورأين انّ كلاًّ منهنّ له مقام معلوم وحدّ مخصوص ليس له استعداد الخروج من ذلك المقام وهذا الحدّ، بخلاف هيكل الانسان ومادّة صاحب النّطق والبيان فانّه كان فيه استعداد الخروج من الحدّ والوصول الى الاطلاق فحملها الانسان انّه كان ظلوماً على جميع حدوده وتعيّناته جهولاً لجميع الكثرات وحقوقها عند ظهور سلطان الله ووصول الامانة الى الخزانة وبعد الحمل رأى انّ لها سرّاقاً من عالم الجنّة والشّياطين يترصّدون الفرصة لسرقتها وقطع طريقها، وانّه لا يمكنه حفظها بدون معاون من سنخ الجنّة والشّياطين، فسأل الله بلسان حاله حفّاظاً ومعاونين فاجابه الله تعالى ووكّل عليه من عالم الملائكة ما يكفيه فى حفظها، ورأى انّ لها سرّاقاً من الشّياطين الانسيّة فسأل معاونين من اسناخهم فأجابه الله تعالى وارسل الانبياء والرّسل وخلفاءهم (ع) ليكونوا معاونين له فى حفظها وايصالها الى الخزانة، وامرهم باعانة العباد وامر العباد باتّباعهم، ولمّا كانت الاعانة والاتّباع فى ذلك لم يكن ممكناً الاّ بالاتّصال الرّوحانىّ بخلفاء الله (ع) ودخول الحافظ الّذى هو صورة نازلة منهم فى قلوب العباد وهو المعبّر عنه بالايمان الدّاخل فى القلب وذلك الاتّصال وهذا الدّخول اى دخول الحافظ فى قلوب العباد لا يمكن الاّ بالاتّصال الصّورىّ والتّوجّه التّامّ من الخلفاء والاستغفار للعباد والتّوبة والانقياد التّامّ من طرف العباد وهذه هى البيعة الّتى كانت معمولة من لدن آدم (ع) الى زمان الخاتم (ص) وكانت مقرّرة عندهم بشرائطها، وما لم يكن العباد يبايعون احدى البيعتين لم يكونوا داخلين فى الدّين ولم يسمّوا مسلمين ولا مؤمنين، واذا كان واحد منهم يبايع احدى البيعتين لم يكن له عمل اعظم من التّوجّه الى من بايع معه والنّظر اليه والجلوس معه والخدمة والتّعظيم له والتّأمّل فى شؤنه وجذبه بحسب روحانيّته الى نفسه وانجذاب نفسه بكثرة تذكّر شؤنه اليه.

السابقالتالي
2 3