الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ } عطف على جملة خلق السّماوات فانّه لمّا عدّ اصول النّعم الّتى انعم بها على عباده ذكر الشّاكر على نعمه وعدّ شكره حكمة فانّ الحكمة هى دقّة النّظر فى القوّة العلاّمة واتقان الصّنع فى القوّة العمّالة، ولم يكن الشّكر الاّ من دقّة النّظر واتقان الصّنع القلبىّ والبدنىّ فانّه كما سبق فى سورة البقرة عند قوله تعالىفَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي } [البقرة:152]عبارة عن ملاحظة انعام المنعم فى النّعمة وملاحظة حقّ المنعم فىالانعام المستلزم لتعظيم المنعم وصرف النّعمة لما خلقت لاجله وليس هذه الملاحظة الاّ دقّة النّظر ولا ذلك التّعظيم والصّرف الاّ اتقان الصّنع القلبىّ والبدنىّ وقد ذكر فى نسبه انّه كان ابن باعورا من اولاد ازد بن اخت ايّوب (ع) او خالته عاش حتّى ادرك داود (ع) { أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } بملاحظة حقّه وعظمته فى كلّ ماله مدخليّة فى وجودك وبقائك وهو كلّ موجود فى العالم الكبير من المحسوسات وغير المشهودات، وفى العالم الصّغير من كلّ ماله مدخليّة فى وجودك او فى كمال وجودك، ولفظة ان تفسيريّة وتفسير للحكمة فانّه كما تكون تفسيراً للمجمل المحذوف تكون تفسيراً للمجمل المذكور، او مصدريّة بتقدير الّلام، او تكون مع ما بعدها بدلاً من الحكمة { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } جملة حاليّة او معطوفة على جملة لقد آتينا لقمان (الآية)، او على الحكمة، او على ان اشكر على ان يكون ان مصدريّةً، ويكون بدلا وعليهما فليقدّر قبلهما مضاف حتّى تصير مفردةً والتّقدير ان اشكر لله ومضمون من يشكر فانّما يشكر لنفسه، او عطف على اشكر سواء جعلت ان تفسيريّة او مصدريّة لكن بتقدير القول والتّقدير ان اشكر لله وقل لغيرك: من يشكر فانّما يشكر لنفسه لانّ نفعه عائد اليه { وَمَن كَفَرَ } كفران النّعم بترك ملاحظة المنعم وتعظيمه فى النّعمة وترك صرفها فى وجهها لا يضرّ الله شيئاً { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ } عن حمد الحامدين وشكر الشّاكرين { حَمِيدٌ } بنفسه حُمد ام لم يُحمد، وفى خبرٍ شكر كلّ نعمة وان عظمت ان يحمد الله عزّ وجلّ عليها، وفى خبرٍ: وان كان فيما انعم عليه حقّ ادّاه، وفى خبرٍ: من انعم الله عليه بنعمةٍ فعرفها بقلبه فقد أدّى شكرها، وفى خبرٍ اوحى الله عزّ وجلّ الى موسى (ع): يا موسى اشكرنى حقّ شكرى فقال: يا ربّ وكيف اشكرك حقّ شكرك وليس من شكرٍ اشكرك به الاّ وانت انعمت به علىّ؟- قال: يا موسى الآن شكرتنى حين علمت انّ ذلك منّى.

شرح فى احوال لقمان

وعن الصّادق (ع) انّه سئل عن لقمان وحكمته الّتى ذكره الله عزّ وجلّ فقال: اما والله ما اوتى لقمان الحكمة بحسبٍ ولا مالٍ ولا اهلٍ ولا بسطٍ فى جسمٍ ولا جمالٍ ولكنّه كان رجلاً قويّاً فى امر الله مستودعاً فى الله ساكتاً سكّيتاً عميق النّظر طويل الفكر حديد النّظر مستغنٍ بالعبر لم ينم نهاراً قطّ ولم يره احد من النّاس على بولٍ ولا غائطٍ ولا اغتسالٍ لشدّة تستّره وعمق نظره وتحفّظه فى امره ولم يضحك من شيءٍ قطّ مخافة الاثم، ولم يغضب قطّ ولم يمازح انساناً قطّ، ولم يفرح بشيءٍ اتاه من امر الدّنيا ولا حزن منها على شيءٍ قطّ، وقد نكح من النّساء وولد له الاولاد الكثير وقدّم اكثرهم افراطاً فما بكى على موت احدٍ منهم، ولم يمرّ برجلين يختصمان او يقتتلان الاّ اصلح بينهما، ولم يمض عنهما حتّى تحابّا (او تحاجزا) ولم يسمع قولاً قطّ من احدٍ استحسنه الاّ سأل عن تفسيره وعمّن اخذه فكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء وكان يغشى القضاة والملوك والسّلاطين فيرثى للقضاة ممّا ابتلوا به، ويرحم الملوك والسّلاطين لغرّتهم وطمأنينتهم فى ذلك، ويعتبر ويتعلّم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشّيطان، وكان يداوى قلبه بالتّفكّر والعبر وكان لا يظعن الاّ فيما ينفعه، ولا ينظر الاّ فيما يعينه، فبذلك اوتى الحكمة ومنح العصمة وانّ الله تبارك وتعالى امر طوائف من الملائكة حين انتصف النّهار وهدأت العيون بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم، فقالوا: يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفةً فى الارض تحكم بين النّاس؟- فقال لقمان: ان امرنى ربّى بذلك فالسّمع والطّاعة لانّه ان فعل بى ذلك اعاننى عليه وعلّمنى وعصمنى، وان هو خيّرنى قبلت العافية، فقالت الملائكة: يا لقمان لم قلت ذلك؟- قال: لانّ الحكم بين النّاس باشدّ المنازل من الدّين واكثر فتناً وبلاءً وما يخذل ولا يعان ويغشاه الظّلم من كلّ مكانٍ وصاحبه منه بين امرين، ان اصاب فيه الحقّ فبالحرىّ ان يسلم، وان أخطأ أخطأ طريق الجنّة، ومن يكن فى الدّنيا ذليلاً ضعيفاً كان اهون عليه فى المعاد من ان يكون فيه حكماً سريّاً شريفاً، ومن اختار الدّنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول هذه ولا يدرك تلك، قال: فعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرّحمن منطقه، فلمّا امسى واخذ مضجعه من اللّيل انزل الله عليه الحكمة فغشّاه بها من قرنه الى قدمه وهو نائم وغطّاه بالحكمة غطاءً فاستيقظ وهو احكم النّاس فى زمانه، وخرج على النّاس ينطق بالحكمة ويبثّها فيهم قال: فلمّا اوتى الحكم بالخلافة ولم يقبلها امر الله عزّ وجلّ الملائكة فنادت داود (ع) بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان (ع) فأعطاه الله عزّ وجلّ الخلافة فى الارض وابتلى فيها غير مرّة كلّ ذلك يهوى فى الخطاء ويقيله الله تعالى ويغفر له، وكان لقمان يكثر زيارة داود (ع) ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه، وكان داود يقول له: طوبى لك يا لقمان اوتيت الحكمة وصرفت عنك البليّة، واعطى داود الخلافة وابتلى بالحكم والفتنة، ولمّا كان الحكمة لا تحصل الاّ بمعرفة امام الزّمان فسّرها الصّادق (ع) بمعرفة امام زمانه، ولمّا كانت لا تحصل بحسب جزءها العلمىّ الاّ بالفهم والعقل فسّرها الكاظم (ع) بالفهم والعقل، وقد ذكر من حكم لقمان ووصاياه لابنه وغيره فى المفصّلات من اراد فليرجع اليها.