الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

{ فِي بِضْعِ سِنِينَ } وهى ما بين الثّلاث الى العشر فلمّا غزا المسلمون فارس وافتتحوها فرح المسلمون بنصر الله عزّ وجلّ قيل: اليس الله عزّ وجلّ يقول { فِي بِضْعِ سِنِينَ } وقد مضى من نزول الآية سنين عديدة حتّى افتتح المسلمون فى امارة عمر فارس؟- فقال الامام: الم اقل لك انّ لهذا تأويلاً وتفسيراً والقرآن ناسخ ومنسوخ اما تسمع لقول الله عزّ وجلّ { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } يعنى اليه المشيّة فى القول ان يؤخّر ما قدّم ويقدّم ما اخّر فى القول الى يوم تحتّم القضاء بنزول النّصر فيه على المؤمنين، وبناء ما ذكر على قراءة الفعلين مبنيّين للمفعول، وروى عن اهل البيت (ع) انّ قوماً ينسبون الى قريش وليسوا من قريشٍ بحقيقة النّسب، وهذا ممّا لا يعرفه الاّ معدن النّبوّة وورثة علم الرّسالة وذلك مثل بنى اميّة ذكروا انّهم ليسوا من قريش وانّ اصلهم من الرّوم وفيهم تأويل هذه الآية الم غلبت الرّوم معناه انّهم غلبوا على الملك وسيغلبهم على ذلك بنو العبّاس، وبناء هذا على قراءة غلبت مبنيّاً للفاعل وسيغلبون مبنيّاً للمفعول.

اعلم، انّ القرآن كما سبق فى الفصل الحادى عشر والثّانى عشر فى اوّل الكتاب ذو وجوهٍ بحسبٍ معانيه وذو وجوهٍ بحسب الفاظه وقراءاته، وانّه يجوز ان يكون مراداً بجميع وجوهه ومنزلاً بجميع قراءاته وانّه كثيراً ما يختلف المعانى والوجوه اختلافاً تامّاً مؤدّياً الى ارادة الضّدّين من اللّفظ بحسب حقائقه ومجازاته وتعريضاته وكناياته فعلى هذا صحّت التّفسيرات المختلفة الّتى وردت عنهم (ع) باعتبارات القرائات الثّلاث وصحّ تفسير الرّوم ببنى اميّة بناءً على تشبيههم باهل الرّوم فى الكثرة، او فى الاهتمام بالدّنيا واعتباراتها، او فى اخذ المذهب محض الرّسم والملّة، او فى اختلاف المذاهب وكثرتها، وصحّ تفسيره باهل المودّة والسّلامة، وصحّ تفسيره بملك النّفس واهويتها المتضادّة المتخالفة، وعلى هذا التّفسير والتّفسير الاوّل ورد: انّ فرح المؤمنين بنصر الله يكون عند قيام القائم عجّل الله فرجه، وفى خبرٍ: فرح المؤمنون فى قبورهم بقيام القائم (ع) ومعنى قوله تعالى { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ } انّه لا يخرج الامر من قدرته من قبل غلبتهم ومن بعد غلبتهم، او من قبل ان يقضى ومن بعد ان يقضى، فانّه يتصرّف فيه متى لم يمضه باىّ نحوٍ شاء فيكون اشارةً الى جواز البداء { وَيَوْمَئِذٍ } يوم غلبة الرّوم، او مغلوبيّة فارس بالمسلمين او مغلوبيّة بنى اميّة او مغلوبيّة جنود الجهل واهوية النّفس بظهور القائم (ع) { يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ } فلا اختصاص بنصره بالمؤمن بل ينصر المؤمن تارةً والكافر اخرى لكنّ المنظور من نصرهما صلاح المؤمن واصلاحه { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب الّذى لا يدفع عن مراده { ٱلرَّحِيمُ } الّذى لا يفعل ما يفعل الاّ برحمته، وصيرورة الرّحمة فى بعض القوابل غضباً وعذاباً انّما هو من قبل القابل.