الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ }

{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ } اى فى عيسى (ع) او فى الحقّ الّذى من ربّك من التّوحيد ورسالتك وخلق عيسى (ع) وكونه بنفخ من الله من غير سفاح ومن غير ابٍ وفى كونه عبداً غير ربّ { مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } من بيانيّة او تبعيضيّة ولم يقل من بعد ما اخذت او تعلّمت العلم للاشعار بانّ العلم اجلّ وارفع من ان يحصل بالكسب وانّما هو نور يقذفه الله فى قلب من يشاء والتّفسير بمجيء البيّنات الموجبة للعلم كما عن العامّة تفسير مستغنى عنه { فَقُلْ } لهم بعد ان لم ينجع فيهم الحجّة ولم يرتدعوا بالبيان والبرهان { تَعَالَوْاْ } الينا او الى مجتمع النّاس حتّى نجيء نحن للحجّة الفارقة الّتى لا يشكّ احد عند مشاهدتها فى الغالب والمغلوب والمحقّ والمبطل وتلك الحجّة هى الابتهال الّذى هو الاجتهاد فى الدّعاء بخير او بشرٍّ ليلحق لعن الحقّ تعالى وعقوبته للمبطل منّا ويظهر بطلانه، ودعاء الخصم الى مثل هذا الامر لا يكون الاّ من العلم بصدق نفس الدّاعى وبطلان خصمه واليقين باجابة الله له، فانّ الشاكّ فى امره لا يجترئ على مثل هذا الامر، والشاكّ فى الاجابة يتخوّف من بطلان الدّعوى بعدم الاجابة، ولكونه على يقين من أمره أمر بدعاء أعزّة آهالهم فانّ الانسان لا يقدم على اهلاك اهله معه بل يخاطر بنفسه دونهم ويجعل نفسه غرضاً للبلايا والقتل لحفظهم ولذلك قدّم الاهمّ فالاهمّ فانّ الابناء اعزّ الانفس على الرّجل ثمّ النّساء لانّ غيرة النّاموس تقتضى الدّخول فى المهالك لحفظهنّ ومن ثمّ كانوا يسوقون الظّعائن فى الحروب معهم لتمنعهم من الهرب وقال: { تَعَالَوْاْ }.

تحقيق شرافة من كان مع محمّد فى المباهلة

{ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ } هذا من قبيل قالوا كونوا هوداً او نصارى { وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ } يجتهد كلّ منّا فى الدّعاء على الآخر { فَنَجْعَل } بدعائنا { لَّعْنَتَ ٱللَّهِ } طرد الله وابعاده من رحمته وهو كناية عن العقوبة { عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } هذه الآية من أدلّ الدّلائل على صدقه فى نبوّته، وعلى شرافة من أتى بهم للمباهلة وكونهم أعزّة اهله واصحابه، ولا خلاف بين الفريقين انّه (ص) لم يأت بأحدٍ معه للمباهلة سوى الحسنين (ع) وفاطمة (ع) وعلىّ (ع). روى عن الصّادق (ع) انّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله (ص) وكان سيّدهم الاهتم والعاقب والسيّد وحضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون بالنّاقوس وصلّوا فقال اصحاب رسول الله (ص): يا رسول الله (ص) هذا فى مسجدك؟ - فقال: " دعوهم، فلمّا فرغوا دنوا من رسول الله (ص) فقالوا الى ما تدعو؟ - فقال: الى شهادة ان لا اله الاّ الله وانّى رسول الله وانّ عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث، قالوا: فمن ابوه؟ - فنزل الوحى على رسول الله (ص) فقال: قل لهم ما تقولون فى آدم (ع) اكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ - فسألهم النّبىّ (ص)، فقالوا: نعم، قال: فمن أبوه؟ - فبهتوا فأنزل الله: انّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم الى قوله { فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } ، فقال رسول الله (ص): فباهلونى فان كنتُ صادقاً انزلت اللعنة عليكم وان كنتُ كاذباً انزلت علىّ، فقالوا: انصفت فتواعدوا للمباهلة فلمّا رجعوا الى منازلهم قال رؤساؤهم: ان باهلنا بقومه باهلناه فانّه ليس نبيّاً وان باهلنا بأهل بيته خاصّة فلا نباهله فانّه لا يقدم الى اهل بيته الاّ وهو صادق، فلمّا أصبحوا جاؤا الى رسول الله (ص) ومعه أمير المؤمنين (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) فقال النّصارى: من هؤلاء؟ - فقيل لهم: انّ هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه علىّ بن ابى طالب (ع) وهذه بنته فاطمة (ع) وهذان ابناه الحسن (ع) والحسين (ع) ففرقوا وقالوا لرّسول الله (ص): نعطيك الرّضا فاعفنا عن المباهلة فصالحهم رسول الله (ص) على الجزية وانصرفوا "

السابقالتالي
2 3