الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ }

{ وَمُصَدِّقاً } عطف على رسولاً او على قد جئتكم بتقدير جئت او عطف على اخلق بتقدير كنت او جئت بان جعل تصديقه للتوراة آية صدقة والمعنى انّى قد جئتكم بآية من ربّكم انّى كنت مصدّقاً { لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم } عطف على مصدّقاً باعتبار المعنى فانّ المقصود منه التّعليل او عطف على جئت مصدّقاً بتقدير جئت او عطف على قد جئت بآية من ربّكم بتقدير جئت لاحلّ لكم { بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } ببغيكم مثل كلّ ذى ظفر وشحوم البقر والغنم وبعض الاعمال فى يوم السّبت وغير ذلك، نسب الى الصّادق (ع) انّه قال كان بين داود (ع) وعيسى بن مريم (ع) اربعمائة وكانت شريعة عيسى (ع) انّه بعث بالتّوحيد والاخلاص وبما اوصى به نوح (ع) وابراهيم (ع) وموسى (ع) وأنزل عليه الانجيل وأخذ عليه الميثاق الّذى أخذ على النّبيّين وشرع له فى الكتاب اقام الصّلاة مع الدّين والامر بالمعروف والنّهى عن المنكر وتحريم الحرام وتحليل الحلال وانزل عليه فى الانجيل مواعظ وامثال وحدود وليس فيها قصاص ولا احكام حدود ولا فرض مواريث وأنزل عليه تخفيف ما كان على موسى فى التّوراة وهو قول الله عزّ وجلّ فى الّذى قال عيسى بن مريم (ع) لبنى اسرائيل { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } وامر عيسى (ع) من معه ممّن اتّبعه من المؤمنين ان يؤمنوا بشريعة التّوراة والانجيل { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } لمّا كان احلال المحرّمات فى شريعة ثابتة مصدّقة محّلاً للانكار وموهماً لكذب المحلّل واراد ان يأمر بطاعته بعد ما اتى بما هو موهم لكذبه كرّر قوله { جئتكم بآيةٍ من ربّكم } ليكونوا على ذكر من معجزاته فلا ينكروه ولا ينكروا امره { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } يعنى اذا كُنت جئتكم بآيةٍ من ربّكم دالّة على رسالتى منه فاتّقوا سخطه فى مخالفتى { وَأَطِيعُونِ } فيما أدعوكم اليه وفيما أمرتكم به ونهيتكم عنه.

تحقيق كون الانسان فطرىّ التعلّق واقتضاء ذلك الإتمام بامرٍ

اعلم انّ اللّطيفة السيّارة الانسانيّة خلقت مفطورة التعلّق بمعنى انّ التعلّق ذاتىٌّ لها لا انّه عرضىّ لها كسائر الاعراض بل نقول: ذاتها ليست الاّ التعلّق وكلّما كان سواها فهو ليس ذاتاً ولا ذاتيّاً لها بل هو عرضىٌّ مانع لها من ظهورها بذاتها وعائق لها عن قربها من اصلها وكمالها بطرح ما سوى التعلّق وظهور التعلّق بدون قيد من القيود ولذلك قال تعالى حين تماميّة كمال محمّد (ص) وكمال قربه من مبدئهدَنَا فَتَدَلَّىٰ } [النجم: 8] يعنى انتهى فى دنّوه حتّى لم يبق له الاّ التدلّى الّذى هو ذاته والاّ فالتدلّى كان له من اوّل وجوده، وقولهم: القيد كفر ولو بالله؛ اشارة الى انّ ذات الانسان تعلّق محض من دون ضميمة قيدٍ اليها وكلّما ضمّ اليه قيد من القيود ولو كان تقيّداً بالله اقتضى ذلك القيد الاثنينيّة والاستقلال فى الوجود وحجبه عن ذاته وعن مشاهدة ربّه، وهذا بخلاف سائر الموجودات الامكانيّة فانّها كلّها متحدّدات بحدود مخصوصة يكون كمالها ببلوغها الى تلك الحدود ووقوفها فى تلك المواقف واستقلالها بحدودها فهى وان كان مقتضية للتعلّق لكنّ التعلّق فيها مختفية تحت التحدّد والاستبداد وكانت ارباب انواعها تحت ربّ نوع الانسان لتحدّدها واطلاقه ولمّا كانت تلك اللّطيفة بذاتها مقتضية للتعلّق وكان التّكليف مطابقاً للتّكوين امروا العباد بالاقتداء والتعلّم والإتمام والطّاعة وذكروا انّ طاعة الامام اصل كلّ الخيرات فانّه نسب الى ابى جعفر (ع) انّه قال: زروة الامر وسنامه ومفتاحه وباب الاشياء ورضى الرّحمن تبارك وتعالى الطّاعة للامام بعد معرفته ثمّ قال: انّ الله تبارك وتعالى يقول:

السابقالتالي
2 3