الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

{ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا } من الاستخلاف فى الارض والبقاء بخلافتك والتّمكين فى الدّين وتبديل الخوف بالامن كما قلت:وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيئاً } [النور:55] قالاً ولا حالاً ولا شهوداً { بِي شَيْئاً } { عَلَىٰ رُسُلِكَ } هذه الكلمة مجملة محتاجة الى تقدير مضافٍ فهو امّا متعلّق بوعدتنا فالتّقدير آتنا ما وعدتنا على السنة رسلك او متعلّق بآتنا فالتّقدير آتنا ما وعدتنا على طريقة رسلك، اى طريقة اعطاء رسلك من كمال البقاء فى الكثرات بحيث لا تهمل شيئاً من حقوق الكثرات ومن لحاظ التّوحيد بحيث لا يشغلنا شأن التّوحيد عن شأن التّكثير ولا شأن التّكثير عن شأن التّوحيد، وانّما سألوه ما وعده تعالى والحال أنّه لا خلف لوعده خوفاً من تقصيرهم فيما يعدّهم لوعده فالسّؤال لجبران التّقصير فى الاعداد لا لمحض التعبّد كما قاله مفسّروا العامّة { وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } لا تفضحنا ببقاء نقيصة حتّى يظهر تلك النّقيصة فنفتضح بها { إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } استئناف فى مقام التّعليل، او جواب للسّؤال عن حاله تعالى مع العباد.

اعلم انّ الانسان ما لم يصر بذاته وافعاله ذا لبّ بتلقيح التّوبة والبيعة الخاصّة الولاية وقبول الدّعوة الباطنة بقبول الولاية، كان كاللّوز والجوز والفستق الخاليات من اللّب ولا اعتداد به ولا قرب له عند الله ولو أجهد نفسه فى عبادة الله بقيام اللّيل وصيام النّهار طول عمره لأكبّه الله فى النّار، واذا صار ذا لبٍّ بقبول الولاية وقبول الدّعوة الباطنة صار متذكّراً لله على كلّ حال ومتفكّراً فى خلق نفسه وفى الفانيات من الارض والارضىّ والسّماء والسّماوىّ فينظر فيكون نظره عبرة، ويتكلّم فيكون كلامه حكمة، ويسكت فيكون سكوته فكرة بقدر مرتبته فى الايمان، فينظر الى آلام الدّنيا مثلاً ويعتبر وينتقل الى آلام الآخرة وشدّتها فيستعيذ منها ويتوب الى الله ممّا يجرّها بحسب حاله وان كان لا يقول بلسانه، ثمّ ينظر الى لُبّه ولطيفة ايمانه الّتى هى نازلة ولىّ امره فيستظهر بها ويستغفر لذنوبه الّتى هى حاصلة له من نسبة الصّفات الى نفسه ويسأله تكفير سيّئاته الّتى هى حاصلة له من نسبة الصّفات الى نفسه، ثمّ يسأله ان يتوفّاه ويأخذ جميع فعليّاته بحيث لا يبقى له نسبة فعليّة الى ذاته ولا نسبة ذاته الى ذاته حتّى يحصل له الفناء التامّ عن افعاله وصفاته وذاته، ثمّ يساله بلسان غير منسوب اليه البقاء بعد الفناء على نحو بقاء الرّسل بحفظ الوحدة فى الكثرة وهذه آخرة مراتب السّالك وهى الرّبوبيّة بعد العبوديّة، كلّ ذلك بلسان حاله سواء كان قريناً بلسان القال او لم يكن وسواء كان باستشعاره ام بغير استشعاره، فالآية مشيرة الى مراتب السّير لانّ قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ } الى قوله { فَآمَنَّا } اشارة الى السّير من الخلق الى الحقّ، وقوله { فاغفر لنا ذنوبنا } الى قوله { وتوفّنا مع الابرار } اشارة الى السّير من الحقّ الى الحقّ بمراتبه من توحيد الافعال والصّفات والذّات والى السّير فى الحقّ، وقوله: { آتنا ما وعدتنا } الى قوله { لا تخلف الميعاد } اشارة الى السّير بالحقّ فى الخلق، ولكون الآية اشارة الى مراتب الانسان فى الكمال كرّر النّداء وكّرر ربّنا بحسب المراتب وتفاوت ظهور الرّبّ وتفاوت حال السّالك وكان المنادى والمنادى فى كلّ مرتبةٍ غير المنادى والمنادى فى المرتبة السّابقة ولذلك ورد عن النّبىّ (ص)

السابقالتالي
2