الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } كرّر النّداء لتشريفهم وتهييجهم على الثّبات على الايمان والارتداع عن الكفر ولان يجبر كلفة التكليف بالتّقوى بلذّة النّداء { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } اتّقوا سخطه { حَقَّ تُقَاتِهِ } قد مضى تحقيق معنى التّقوى ومراتبها فى اوّل سورة البقرة وحقّ التّقوى على الاطلاق ان لا يبقى من المتّقى عين ولا اثر بطىّ جميع مراتب التّقوى والانتهاء الى التّقوى عن ذاته وعن تقواه فى جنب ذات الله ولمّا كان التّقوى بهذا المعنى لا تتيسّر الاّ لقليل قالوا: انّ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى فى سورة التغابنفَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [التغابن:16] لكنّ الحقّ انّ حقّ التّقوى تختلف بحسب اختلاف الاشخاص وبحسب اختلاف مراتب الشّخص الواحد فانّ حقّ التّقوى بالنّسبة الى اصحاب النّفوس الامّارة وبالنّسبة الى من لم يدخل بعد فى دين ولم يبايع البيعة العامّة مع نبىٍّ او خليفته ان يحتاط فى عمله ويطلب من يأخذ منه دينه ويترك ما ينافى طلبه وحقّ التّقوى بالنّسبة الى من دخل فى دين ان يمتثل ما أمر به، ويترك ما نهى عنه، ويطلب من يدلّه على حقّ دينه وروح اعماله، ويترك ما ينافى هذا الطّلب، وحقّ التّقوى بالنّسبة الى من دخل فى الايمان ودخل بذر الايمان فى قلبه ان يمتثل ما امر به وينتهى عمّا نهى عنه بحسب ايمانه، ومراتب التّقوى للدّاخل فى الايمان كثيرة بحسب مراتب المؤمنين ودرجاتهم كما سبق مفصّلاً، وهكذا الحال فى التّقوى بحسب مراتب الشخص الواحد من بشريّته الى فنائه فانّ حقّ التّقوى بحسب البشريّة غيرها بحسب الصّدر والقلب والرّوح وهكذا؛ فالآية على هذا امر للجميع بالاتيان بحقّ التّقوى وكانت موافقة لقوله تعالى:فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [التغابن:16] لانّ حقّ التّقوى من كلّ احد ما استطاعه لانّ الله لا يكلّف نفساً الاّ وسعها، وعن الصّادق (ع) انّه سئل عن هذه الآية فقال: يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، ولعلّك تفطّنت بصحّة تعميم الطّاعة والذّكر والشّكر والعصيان والنّسيان والكفر بحسب مراتب المؤمنين { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } يعنى اديموا الاسلام الى حال الموت فالنّهى وارد على القيد لا المقيّد ولا المجموع وقرء فى قراءة اهل البيت (مسلّمون) بالتّشديد يعنى لا تموتنّ الاّ وانتم مسلّمون لرسول الله (ص) ثمّ للامام من بعده، ونسب الى الكاظم (ع) انّه قال لبعض اصحابه: كيف تقرأ هذه الآية: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ } ماذا؟ - قال: { مُّسْلِمُونَ } يعنى بتخفيف الّلام فقال: سبحان الله يوقع عليهم الايمان فيسمّيهم مؤمنين ثمّ يسألهم الاسلام؛ والايمان فوق الاسلام؟! قال: هكذا يقرأ فى قراءة زيد قال: انّما فى قراءة علىّ (ع) وهو التّنزيل الّذى نزل به جبرئيل على محمّد (ص) الاّ وانتم (مسلّمون) لرسول الله (ص) ثمّ الامام من بعده.