الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } فى حديث قال موسى (ع) لشعيب (ع) بعدما رعى له عشر سنين: لا بدّ لى ان ارجع الى وطنى وامّى واهل بيتى فمالى عندك؟- فقال شعيب (ع): ما وضعت اغنامى فى هذه السّنة من غنم بلق فهو لك فعمد موسى (ع) عندما اراد ان يرسل الفحل على الغنم الى عصاه فقشر منها بعضها وترك بعضها وغزّزها فى وسط مربض الغنم والقى عليها كساء ابلق ثمّ ارسل الفحل على الغنم فلم تضع الغنم فى تلك السّنة الاّ بُلقا فلمّا حال عليه الحول حمل موسى (ع) امرأته وزوّده شعيب (ع) من عنده وساق غنمه فلمّا اراد الخروج قال لشعيب (ع): ابغى عصاً تكون معى وكانت عصى الانبياء (ع) عنده قد ورثها مجموعة فى بيتٍ فقال له شعيب (ع): ادخل هذا البيت وخذ عصا من بين العصىّ فدخل فوثبت اليه عصا نوح وابراهيم (ع) وصارت فى كفّه فأخرجها ونظر اليها شعيب (ع) فقال: ردّها وخذ غيرها، فردّها ليأخذ غيرها فوثبت اليه تلك بعينها، فردّها حتّى فعل ذلك ثلاث مرّاتٍ، فلمّا رأى شعيب (ع) ذلك قال له: اذهب فقد خصّك الله عزّ وجلّ بها فساق غنمه فخرج يريد مصر فلمّا صار فى مفازة ومعه اهله اصابهم برد شديد وريحٌ وظلمة وجنّهم اللّيل، فنظر موسى (ع) الى نارٍ قد ظهرت كما قال الله تعالى فلمّا قضى موسى الاجل (الآية) { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } وجنّهم اللّيل وتفرّقت ماشيته واصابهم برد شديد وريح وابتليت زوجته بالطّلق كما قيل { آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً }.

اعلم، انّ الله اذا اراد بعبدٍ خيراً ابتلاه اوّلاً بشدائد سدّت جهات حيله وقطعت طرق رجاء خياله من غير الله حتّى اضطرّ الى التّوجّه الى الله وسأله بلسان حاله او قاله فيجيبه تعالى على حسب استعداده واستحقاقه، لانّه يجيب المضطرّ اذا دعا بحاله او قاله، كما اراد مقام الرّسالة لموسى (ع) فابتلاه بظلمة اللّيل والسّحاب وبالثّلج والبرد وتفرّق الماشية ووضع حمل الاهل وعدم ظهور النّار من زناده حتّى انقطع جهات حيل خياله وطرق رجائه فاضطرّ الى التّوجّه الى جهة غيبه، فانّ موسى (ع) لمّا اضطرّ الى التّوجّه الى جهة غيبه ظهر له من جانب طور النّفس الّذى هو البقعة المباركة والجانب الايمن من النّفس نور بصورة النّار الظّاهرة من الشّجرة وقد ظهرت تلك النّار وتلك الشّجرة فى جبلٍ كان يسمّى بالطّور او سمّى بعد ذلك بالطّور، وقد مضى الاختلاف فى محلّ ذلك الجبل فلمّا آنس من جانب الطّور ناراً توجّه اليه واطمئنّ من استيحاشه ولمّا اطمئنّ من استيحاشه { قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } تسلية لها وتسكيناً لفزعها ووحشتها { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } اى بخبر الطّريق او خبر النّار وصاحبها او خبر من نأنس به او خبر المعمورة { أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ } فى الجذوة ثلاث لغات؛ بتثليث الجيم وقرئ بها وهى القطعة المشتعلة من النّار او الجمرة او الجذمة الّتى هى قطعة خشب متوقّدة بالنّار بعضها يكون ناراً وبعضها خشباً غير مشتعلٍ { لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ } اى ايمن موسى (ع) او ايمن النّفس او هو وصف من اليمن بمعنى البركة { فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } كثيرة الخير لانّها كانت من الشّام وبركة اراضى الشّام ظاهرة، وكذا بركات طور النّفس عن الصّادق (ع) شاطئ الوادى الايمن الّذى ذكره الله تعالى فى القرآن هو الفرات، والبقعة المباركة هى كربلاء { مِنَ ٱلشَّجَرَةِ } قيل: كانت نابتة على الشّاطئ { أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ذكر فى الحديث: انّه اقبل نحو النّار يقتبس منها فاذا شجرة ونار تلتهب عليها، فلمّا ذهب نحو النّار يقتبس منها اهوت اليه ففزع وعدا ورجعت النّار الى الشّجرة؛ فالتفت اليها وقد رجعت الى الشّجرة، فرجع الثّانية ليقتبس فأهوت نحوه فعدا وتركها، ثمّ التفت وقد رجعت الى الشّجرة فرجع اليها الثّالثة فأهوت اليها فعدا ولم يعقّب اى لم يرجع فناداه الله عزّ وجلّ ان يا موسى (ع) انّى انا الله ربّ العالمين قال موسى: فما الدّليل على ذلك؟- قال الله عزّ وجلّ: ما فى يمينك يا موسى؟- قال: هى عصاى، قال: القها يا موسى فالقيها فاذا هى حيّة تسعى، ففزع منها موسى وعدا؛ فناداه الله عزّ وجلّ: خذها ولا تخف انّك من الآمنين، وقد مضى وجه تكرار هذه القصّة اكثر من سائر القصص، ووجه اختلاف الالفاظ المكرّرات لكون الحكايات ترجماتٍ للمحكىّ، والتّرجمة تؤدّى بالفاظٍ مختلفةٍ او لكثرة السّؤال والجواب والاقوال فى المحكىّ وقد نقل فى كلّما ذكر القصّة بعض من المحكىّ.