الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }

{ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ } الخطاب لمحمّدٍ (ص) او عامّ، وان كان الخطاب لمحمّدٍ (ص) كان المراد انّك ترى الجبال ببصرك البشرىّ او كان الكلام على ايّاك اعنى واسمعى يا جارة { تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } اى واقفة ساكنة فى امكنتها فانّ الجمود قد يستعمل فى الوقوف عن الحركة كما يستعمل مقابل السّيلان { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } اى تسير نحو سير السّحاب فى سرعة الحركة وقطع المسافة، وهذا يجوز ان يكون اشارة الى تجدّد الامثال بنحو الاتّصال ويكون الانعدام والانوجاد بنحو الاتّصال غير محسوس بالانظار كما انّ الدّائرة المحسوسة الحاصلة من الحركة التّوسّطيّة الّتى تكون للشّعلة الجوّالة غير موجودة فى نفس الامر ولكن بواسطة اتّصال الانعدامات والانوجادات ترى بالابصار دائرة؛ وعليه العرفاء الكاملون وبتلك الآية يستشهدون، ويجوز ان يكون اشارةً الى حركة الارض دون الشّمس؛ وعليه الطّبيعيّون من الافرنج وعليه بناء هيئتهم الجديدة، وان يكون اشارةً الى انحلال الابدان واغتذائها ببدل ما يتحلّل منها، وان يكون اشارةً الى تبدّل انانيّة النّفس بانانيّة الله وانانيّة العقل او تبدّل انانيّة العقل بانانيّة الشّيطان، وان يكون اشارة الى سير النّفوس الكاملة فانّ سيرهم يكون كلّ آنٍ الى عرش ربّهم، واليه اشار المولوىّ قدّس سرّه:
سير زاهد هر مهى تا بيشكَاه   سير عارف هر دمى تا تخت شاه
وان يكون اشارةً الى القيامة ووقت ان يكون الجبال كالعهن المنفوش فانّها حينئذٍ تكون فى الحركة السّريعة لا يدرك بالابصار حركتها لبعد اطرافها وعدم احاطة النّظر باطرافها لكن قوله تعالى { صُنْعَ ٱللَّهِ } فى مقام مدحه يدلّ على المعانى السّابقة { ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } بحيث لا يدرك ما فيه من الاوصاف ويدرك على خلاف ما له من الاوصاف { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } تعليل لقوله: ترى الجبال تحسبها جامدةً؛ باعتبار لازم الحكم الّذى هو العلم برؤيتها وحسبانها كذلك او هو بمنزلة النّتيجة لقوله: اتقن كلّ شيءٍ فانّه اذا اتقن كلّ شيءٍ أتقن كلّ نفسٍ وتعلّقها ببدنها وتصرّفها فى حركاتها وسكناتها فهو خبير بما تفعلون من الخير والشّرّ وهو وعدٌ ووعيدٌ ولذلك عقّبه بقوله { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا }.