الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

{ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } استيناف منقطع عن سابقه لفظاً ومعنىً ولذلك لم يأت بأداة الوصل وبيان لادبٍ آخر من آداب المعاشرة وذلك كما روى ونقل انّ المرضى كانوا يكرهون معاشرة الاصحّاء ومؤاكلتهم لتأنّف الاصحّاء عن معاشرتهم ولاحتمال انزجارهم من مؤاكلتهم ومعاشرتهم وكان الاصحّاء يكرهون مؤاكلتهم لعدم قدرتهم على الاكل مثلهم، وكان الغازون اذا خرجوا الى الغزاء خلّفوا الزّمنى على بيوتهم وكره الزّمنى الاكل منها وكان اذا خرج سريّة كانوا يدفعون مفاتيح بيوتهم الى الغازين ليأخذوا ويأكلوا ما يحتاجون اليه فيكرهون الاكل منها دون الاجتماع مع صاحبيها، وكانوا اذا ارادوا ان يطعموا المرضى ولم يكن فى بيوتهم ما يطعمهم به ذهبوا بهم الى بيوت قراباتهم فكرِه المرضى الاكل منها وكان المرضى يتحرّجون بعدم الاستطاعة للجهاد وعدم القدرة على الطّاعة وعدم زيارة الرّسول (ص) والمؤمنين مثل الاصحّاء فرفع تعالى الحرج من ذلك كلّه لقوله ليس على الاعمى حرج { وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } وحذف المتعلّق ليذهب ذهن السّامع كلّ مذهبٍ ممكنٍ، وقد مضى فى اوّل الكتاب انّ الوجوه المحتملة كلّها مقصودة من الفاظ القرآن فكأنّه قال: ليس على هؤلآء حرج فى المؤاكلة مع الاصحّاء والمعاشرة معهم، ولا فى الاكل من بيوت من خلّفوهم عليها ولا فى الاكل والاخذ من البيوت الّتى اعطاهم صاحبوها مفاتيحها، ولا فى الاكل من بيوت اقرباء الدّاعين ولا فى التّخلّف عن الجهاد لا فى عدم الطّاعة والزّيارة مثل الاصحّاء، وكرّر لفظ حرجٍ للاشارة الى عدم الفرق بين الثّلاثة فى ظنّ التّحرّج وعدمه { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } حرج { أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } متعلّق بالمجموع او مختصّ بالاخير والمعنى ليس على انفسكم حرج فى ان تأكلوا منفردين او مع المعلولين من بيوت انفسكم ولمّا كان الولد وبيته للوالد جعل بيته داخلاً فى بيوتكم ولم يذكره منفرداً كما ورد فى حقّ ولدٍ: انت ومالك لا بيك، وورد: انّ اطيب ما يأكل المرء من كسبه، وانّ ولده من كسبه { أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ } بكونكم وكلاء للمالك فى ضيعته او مخزنه او داره، او اعطى المالك المفتاح عارية، او المراد بيت المملوك فانّ المفاتح جمع المفتح بمعنى المخزن والسّيّد مالك للمولى ومملوكه { أَوْ صَدِيقِكُمْ } فانّ الصّداقة تقتضى السّرور بأكل الصّديق من بيته ولا اقلّ من الاذن ولكن كلّ ذلك ما لم يعلم عدم الاذن من صاحبيها، وما لم يؤدّ الى السّرف والافساد { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً } مجتمعين مع صاحبى البيوت او مع المعلولين او مع انسانٍ آخر او مع ضيفٍ { أَوْ أَشْتَاتاً } متفرّقين منفردين فانّهم كما قيل كرهوا الأكل من البيوت المذكورة بدون صاحبيها وبعض البطون كان الرّجل منهم لا يأكل وحده ويتحرّج بالأكل وحده وكانوا لا يأكلون فى بيوت الفقراء فانّ الغنىّ كان يدخل بيت الفقير من ذوى قرابته او صداقته فيدعوه الى طعامه فيتحرّج عن الأكل وكانوا اذا نزل بهم ضيف يتحرّجون الأكل الاّ معه { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً } ادب آخر واتى بالفاء لانّه متعقّب للاذن فى دخول البيوت { فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } يعنى ليسلّم بعضكم على بعضٍ فانّ المعاشرين كلاًّ منهم بمنزلة نفس الآخر، او سلّموا على اهل البيوت حتّى يردّوا السّلام عليكم فيكون سلامكم على أَهل البيوت سلاماً على انفسكم، او سلّموا على انفسكم اذا لم تجدوا فيها احداً بان تقولوا؛ السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين او بان تقولوا؛ السّلام علينا من عند ربّنا { تَحِيَّةً } مفعول مطلق من غير لفظ الفعل { مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } مشروعة من عند الله او نازلة من عند الله فانّ لسان المسلّم حين يسلّم بامر الله يكون مسخّراً لامر الله، والجارى على اللّسان المسخّر لله جارٍ من الله { مُبَارَكَةً } لانّها دعوة مؤمنٍ لمؤمن بأمر الله ودعوة المؤمن للمؤمن بركة عليهما، واذا كانت بأمر الله وكان الدّاعى ناظراً الى امره ضوعفت بركتها { طَيِّبَةً } لما فيها من صيرورة نفسى المسلّم والمسلّم عليه طيّبتين { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ } واحكام المعاشرة او الآيات التّدوينيّة فى بيان احكام المعاشرة { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } حكمها ومصالحها او لعلّكم تصيرون عقلاء او لعلّكم تعقلون الآداب الّلازمة فى المعاشرة وتفهمونها فتعملوا بها.