الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } جواب لسؤالٍ مقدّرٍ نشأ من قوله { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا } فانّ تقييد التّسبيح بكونه فى تلك البيوت وكونه من رجال مخصوصين يوهم انّه لا يسبّح له فى غيرها فصار المقام مقام ان يسأل عن تسبيح غير الرّجال المذكورين والتّسبيح فى غير تلك البيوت فقال تعالى: الم تر خطاباً لمحمّدٍ (ص) او لمن يتأتّى منه الرّؤية فانّ الرّائى اذا نظر بادنى تأمّلٍ رأى انّ جميع الذّرّات فى جميع الاحوال وجميع الافعال يكونون فى تسبيح الرّبّ والتّسبيح للرّبّ، فانّ الكلّ يكونون فى الاستكمال الفطرىّ على الدّوام وهذا الاستكمال تنزيه للطيّفة الّتى هى اسم الرّبّ ومرآته عن سمة النّقصان وحجب القوى واخراج لها من القوى الى الفعليّات، وهذا التّسبيح اتمّ من التّسبيح اللّسانىّ الاختيارىّ الّذى يكون اكثر الاوقات مشوباً بالاغراض النّفسانيّة وتدنيساً لتلك اللّطيفة وتركاً للتّسبيح فى الحقيقة وضدّاً له، وقد سبق مكرّراً انّ المراد بتسبيح الرّبّ سواء عدّى بنفسه الى الرّبّ او الى اسم الرّبّ او عدّى بالباء او بالّلام الزّائدة للتّقوية او بالّلام التّعليليّة تنزيه تلك اللّطيفة عن شوب القوّة والاستعداد فانّ تلك اللّطيفة نازلة الرّبّ واسمه وتنزيهها ليس الاّ للرّبّ وبتنزيهها يكون تنزيه الرّبّ فالله تعالى شأنه يسبّحه ويسبّح لاجله جميع من فى السّماوات { وَ } جميع من فى { ٱلأَرْضِ } والمراد جميع الموجودات فيهما بطريق التّغليب ويكون ذكر الطّير بعدهما لكونهما ممّا ليست فى الارض ولا فى السّماء فى الاغلب بل بينهما، او المراد بهما ذوو العقول خاصّة وذكر الطّير من بين سائر الحيوان لكونها اشرف من اكثر اصنافه واكثر تفطّناً { وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ } اى حال كونها ذوات صفيف الاجنحة فى الجوّ، وهذا التّقييد يشعر بانّ ذكرها لكونها فى الجوّ { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ } الصّلٰوة الدّعاء والرّحمة والعبادة المخصوصة الموضوعة فى كلّ ملّةٍ ولكلّ امّةٍ والكلّ مناسب فانّ الله يعلم دعاء كلّ والرّحمة الّلائقة به وعبادته الخاصّة به، وكلّ من فى الارض والسّماء والطّير قد علم كيفيّة دعائه لله وطريق الرّحمة الخاصّة به والعبادة المخصوصة به، فانّ طريق رحمة كلّ وكيفيّة دعائه لله هو سيره على طريقه الخاصّة به وعدم الانحراف منها وهو عبادته الخاصّة به فعلى هذا جاز ان يكون ضمير علم راجعاً الى الله والى كلّ { وَتَسْبِيحَهُ } كيفيّة تنزيهه لله بخروجه من قواه الى فعليّاته غاية الامر انّ غير ذوى العقول يعلم بالشّعور البسيط دون الشّعور التّركيبىّ كما فى قوله تعالى:وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [الإسراء:44] يعنى بالشّعور التّركيبىّ { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } فيجازيهم بحسب افعالهم ولا يفوته شيءٌ من افعالهم حتّى لا يجزيه.