الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ }

{ رِجَالٌ } فاعل يسبّح المذكور ان قرئ مبنيّاً للفاعل وفاعل محذوف ان قرئ مبنيّاً للمفعول، وفى اخبارنا انّ رجال خبر مبتدءٍ محذوفٍ كناية عن البيوت اى هم اى البيوت رجال، ويجوز ان يكون رجال مبتدءاً خبره يخافون { لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ } التّجارة مطلق المعاملة او هى البيع والشّرى والبيع من الاضداد يستعمل فى الشّرى والبيع كالشّرى، فعلى هذا كان ذكر البيع بعد التّجارة من قبيل ذكر الخاصّ بعد العام او من قبيل ذكر المرادف بعد المرادف للتّأكيد ان كان البيع اعمّ من البيع والشّرى بطريق عموم الاشتراك، او المراد بالتّجارة مطلق المكاسب سواء كان بطريق المعاملة او غيرها وبالبيع التّجارة المعهودة { عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } قد مضى فى سورة البقرة عند قولهفَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [البقرة:152] تحقيق الذّكر واقسامه، والذّكر سواء كان لسانيّاً جليّاً او جنانيّاً خفيّاً او صدريّاً حقيقيّاً ويعبّر عنه بالسّكينة والفكر والحضور وهو مثال الشّيخ المتمثّل عند السّالك لقوّة اشتغاله بالذّكر المأخوذ منه او كان تذكّراً لأمره ونهيه عند كلّ فعلٍ لا ينافى الاشتغال بالمكاسب، بل اذا كان حال السّالك ملاحظة امره تعالى ونهيه عند فعاله وكان كسبه بلحاظ امره تعالى وعدم قعوده عن الكسب بلحاظ نهيه تعالى كان كسبه ذكراً بل كان من اشرف اقسام الذّكر كما مضى فى سورة البقرة، فانّ الذّكر اللّسانىّ والجنانىّ عبارة عمّا يجرى على اللّسان او على الجنان ويذكر الانسان بسببه صفات الرّحمن وهذا الكسب بذلك اللّحاظ يذكر الانسان بسببه صفتى لطفه وقهره واضافتى امره ونهيه، فالرّجال لا يتركون الكسب لذكر الله بل يجعلون الكسب ذكراً لله { وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ } قد مضى فى اوّل البقرة تحقيق وتفصيل للصّلٰوة واقسامها واقامتها { وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ } قد مضى هناك بيان الزّكٰوة وايتائها مفصّلاً روى عن الصّادق (ع) انّهم كانوا اصحاب تجارة فاذا حضرت الصّلٰوة تركوا التّجارة وانطلقوا الى الصّلٰوة وهم أعظم اجراً ممّن لا يتّجر، وفى خبر: هم التّجّار الّذين لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيع عن ذكر الله اذا دخل مواقيت الصّلٰوة ادّوا الى الله حقّه فيها، وسئل الصّادق (ع) عن تاجرٍ فقيل: صالح ولكنّه قد ترك التّجارة، فقال (ع): عمل الشّيطان، ثلاثاً؛ اما علم انّ رسول الله (ص) اشترى عيراً اتت من الشّام فاستفضل فيها ما قضى دينه وقسّم فى قرابته يقول الله عزّ وجلّ: { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } (الآية) يقول القصّاص: انّ القوم لم يكونوا يتّجرون، كذبوا ولكنّهم لم يكونوا يدعون الصّلٰوة فى ميقاتها وهو افضل ممّن حضر الصّلٰوة ولم يتّجر { يَخَافُونَ } حال او صفة بعد صفة لرجال او خبر بعد خبر اى هم رجال يخافون او خبر لرجال او جواب لسؤالٍ مقدّرٍ فى مقام التّعليل { يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ } فى الاحوال من الحزن والسّرور والقبض والبسط والخوف والرّجاء وغير ذلك من الاحوال المتضادّة وذلك لكثرة ما ترى من اسباب ذلك فانّ ذلك اليوم يوم يعرض فيه الجنّة ونعيمها والجحيم وانواع عذابها على الخلق { وَ } تتقلّب { ٱلأَبْصَارُ } من الانفتاح والانغماز، والشّخوص والخشوع، والدّوران والسّكون، او تتقلّب القلوب من اختسّ احوالها الى اشرفها، او من حالاتها الخسيسة الى اخسّها، او الابصار من ابصارها الى العمى او من ضعف الابصار الى حدّته، او تتحرّك القلوب الى الحناجر والابصار يمنة ويسرة لكثرة المدهشات، او تتقلّب القلوب من الشّكّ الى اليقين والابصار ممّا رأته غيّاً فتراه رشداً.