الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } * { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ }

{ وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ٱدْفَعْ } جواب لسؤالٍ مقدّرٍ كأنّه قال: فما افعل بهم؟- ادفع { بِـ } الخصلة { ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } او بالحسنة الّتى هى احسن او بالدّفعة الّتى هى احسن { ٱلسَّيِّئَةَ } اى سيّئة نفسك او سيّئة غيرك والخطاب لمحمّدٍ (ص) لكن امّته مقصودة بالخطاب وهذا تأديب حسن له ولامّته.

بيان فى الدّفع بالاحسن الى المسئ

اعلم، انّ رفع اساءة المسيء يتعقّل بالاساءة اليه بما يتعقّل الاساءة اليه من قتله وقطع اطرافه وشقّها وضربه زائِداً على قدر اساءته او مساوياً او ناقصاً منه، والعفو عنه والصّفح اى تطهير القلب من الحقد عليه والاحسان اليه، والخصلة الحسنى على الاطلاق هى الاحسان الى المسيء فانّه يترتّب عليه المحبّة والوداد ويتعقّبه ما فى قوله تعالىفَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [فصلت:34]، ولمّا لم يكن الافعال حسنها وقبحها الاّ باضافتها الى مباديها وغاياتها، وان كانت متعدّية اعتبرت اضافتها الى من وقعت عليه بل قد يعتبر فيهما الاضافة الى المكان والزّمان والآلة والحاضرين وغيرهما لم يكن المراد الدّفع بالاحسن مطلقاً بل الدّفع بالاحسن بالاضافة الى الفاعل والمنفعل والمكان والزّمان وغير ذلك لانّ صاحب النّفس الّتى لم ترض من الجانى الاّ بقتله او باضعاف جنايته لم يكن الدّفع منه بالاحسن الاّ بالاقتصاص، ومن يقدر على كظم الغيظ كان الدّفع بالاحسن منه بكظم الغيظ، ومن يقدر على الصّفح كان الصّفح منه احسن، ومن يقدر على الاحسان الى المسيء كان الاحسان منه احسن، والاحسان الى الجانى الّذى يزيد الاحسان فى طغيانه لم يكن حسناً بل كان قبيحاً وهكذا ترك التّعرّض لمن يزيد عدم التّعرّض فى اعتدائه، وهكذا الحال بالنّسبة الى الزّمان والمكان والآلات والسّامعين والشّاهدين فعلى هذا كان معنى الآية انظر الى المسيء وحالاته وزمان رفع اساءته ومكانه فادفع بالّتى هى احسن بالنّظر الى جميع ما يضاف الدّفع اليه السّيّئة سواء كانت تلك السّيّئة من جنودك وقواك او من انسانٍ سواك، او من حيوانٍ سوى الانسان فاقتل من ينبغى ان يقتل واقطع من ينبغى ان يقطع اطرافه، واقتصّ ممّن ينبغى ان يقتصّ منه واضرب من ينبغى ان يضرب، وادّب لساناً من ينبغى ان يؤدّب لساناً، واحسن الى من ينبغى ان يحسن اليه، وقوله تعالى:فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [فصلت:34] اراد بالاحسان فيه فعلاً يلائم ويوافق مرتبة المسيء من غير نظرٍ الى حال الفاعل ولا الى حال المسيء كما يجوز ان يكون المراد بالاحسان ههنا ايضاً ذلك بقرينة قوله تعالى { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } فانّ معناه ولا تتعرّض لهم بالزّجر والمكافاة لانّا نحن اعلم بما يصفون، ولفظة ما مصدريّة او موصولة.