الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ }

{ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ } جملة حاليّة او مستأنفة او معطوفة على مقدّرٍ مثل سابقتها، وتكريرها للاستغراق بكلّ منهما من جهة غير جهة الاخرى فتكون كلّ لافادة معنى غير مفاد الاخرى { بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ }.

اعلم، انّ الانسان ذو مراتب وادراكه فى كلّ مرتبة غير الادراك الّذى فى المرتبة الاخرى فانّه فى مقام نفسه المحتجبة عن المعانى الغيبيّة لا يكون ادراكه الاّ بصور المعلومات المغايرة للمعلومات المحتملة للمطابقة لها ولعدم المطابقة وفى هذه المرتبة تسمّى ادراكاته بالتّصوّر والاوهام والشّكوك والظّنون والعلوم العاديّة والتّقليديّة واليقينيّة ولكن فى عرف الشّرع تسمّى جملة تصديقاته الظّنيّة واليقينيّة بالظنّون لما تكرّر سابقاً انّ العلوم فى تلك المرتبة لمّا كانت مغايرة للمعلومات ومنفكّة عنها وجائزاً زوالها كالظّنون تسمّى ظنوناً، فان كان ادراكه بجولان نفسه وترتيب مقدّمات وفكر ونظر من نفسه يسمّى علماً برهانيّاً، وان كان بالتّسليم والاخذ من الغير يسمّى تقليديّاً، والتّقليد امّا يكون بالاستماع من المقلّد او بمشاهدة كتاب منه، والى الثّلاثة اشار بقوله { بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } ، وقدّم العلم لانّه اشرف من التّقليد من حيث نفسه وان كان التّقليد من حيث الخروج عن الانانيّة والتّسليم اشرف منه فانّ العلم الحصولى لا يخلو من شوب الانانيّة الّتى هى نحو من التّفرعن وادّعاء الآلهة، وادّى العبارة بالهدى والكتاب المنير للاشعار بانّ التّقليد ان كان ممّن يصحّ تقليده بان يكون مجازاً من الله ومعلوماً صدقه يصحّ التّوسّل به والاعتماد عليه فى التّكلّم والجدال، وامّا ان كان ممّن لا يصحّ تقليده من امثاله واقرانه ومن آبائه ومعلّميه فلا يجوز الاعتماد عليه، ويجوز ان يراد بالكتاب المنير العلم الشّهودىّ الحضورىّ الّذى يكون فى مرتبة القلب والرّوح لصاحب الشّهود والعيان فانّ المشهود فى تلك المرتبة كالمكتوب الحاضر فى صفحة عند النّفس فى الاعيان، وعلى هذا يكون الاقسام الثّلاثة بترتيب الاشرف فالاشرف.