الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ } ركوع الصّلٰوة او تواضعوا لربّكم { وَٱسْجُدُواْ } سجدة الصّلٰوة او تواضعوا غاية التّواضع لربّكم { وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } اى اخرجوا من انانيّاتكم بركوعكم وسجودكم وصيروا احراراً من عبوديّة انفسكم وعبيداً لربّكم { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } قد مضى مكرّراً انّ التّرجّى من الله واجب. اعلم انّ الآية الشّريفة اشارة الى مراتب السّالكين واسفارهم فانّ اسفارهم وان كانت لا حدّ لها ولا نهاية لكنّها بحسب الامّهات محصورة فى اربعةٍ كما اسلفنا ذلك مكرّراً؛ الاوّل السّفر من الخلق الى الحقّ وفى هذا السّفر ينكسر الانانيّة الّتى هى من الخلق بحيث لم يبق نسبة الفعل الى نفس السّالك بل يرى الفعل من الفاعل الظّاهر فى وجوده وحينئذٍ ينتهى سفره من الخلق الى الحقّ، وبعد هذا يكون السّفر من الحقّ الى الحقّ وفى هذا السّفر ينكسر انانيّته الّتى هى رؤية الوجود لذاته ورؤية ذاته وما دام ذاته تكون باقيةً يكون سفره من الحقّ الى الحقّ ولم يكن عبداً لبقاء انانيّةٍ ما عليه فاذا انتهى فى هذا السّفر بحيث لم يبق له ذات واثر من ذاته صار عبداً لله فانياً من ذاته ويكون سفره بعد ذلك فى الحقّ، فان ادركته العناية الالهيّة وابقاه بعد فنائه يصير محسناً وفاعلاً للخيرات فانّه فى السّفر الاوّل والثّانى بواسطة بقاء الانانيّة لم يكن فعله خيراً على الاطلاق، وفى السّفر الثّالث لم يكن فعله منه حتّى يكون فاعلاً لشيءٍ وفى هذا السّفر وهو السّفر بالحقّ فى الخلق يكون له انانيّة بانانيّة الله وفاعليّة الله ويكون فعله خيراً على الاطلاق والى هذه الاربعة اشارت الآية فانّه تعالى اشار بقوله: اركعوا الى السّفر من الخلق الى الحقّ، وبقوله: اسجدوا الّذى هو خروج من الانانيّة حتّى من نسبة الذّات الى النّفس الى السّفر من الحقّ الى الحقّ، وبقوله: واعبدوا ربكم الى السّير بالحقّ فى الحقّ، وبقوله: وافعلوا الخير الى السّير بالحقّ فى الخلق، ولا ينافى ذلك الخطاب كمال الكامل حتّى ينافى تفسير الآية بالائمّة (ع) فانّ الكامل لكونه جامعاً لجميع المراتب يكون له على سبيل الاستمرار سير من الخلق الى الحقّ وسير مع الحقّ فى الخلق، وقد اشرنا فى المقدّمات وفى تفسير الفاتحة وفيما بعدها الى الاسفار وكيفيّة السّلوك فيها.