الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ }

{ ذٰلِكَ } خبر مبتدءٍ محذوفٍ او مبتدء خبرٍ محذوفٍ اى الامر ذلك او ذلك كذلك او مفعول فعلٍ محذوفٍ اى خذ ذلك { وَمَن يُعَظِّمْ } عطف او حال { حُرُمَاتِ ٱللَّهِ } جمع الحرمة او الحرم بالضّمّ والسّكون او الحرم بالضّمّتين الّذى هو جمع الحرام، او الحرم بكسر الحاء او الحرمات جمع الحرمة بضمّتين، او الحرمة كالهمزة، وحرمات الله ما يحرم انتهاكه من امرٍ ونهىٍ ومكانٍ وزمانٍ وغيرها كالحرمين والاشهر الحرم والايّام المتبركة والشّرائع الالهيّة والكتب السّماويّة والاخبار النّبويّة والولويّة والبيعة النّبويّة والولويّة والمشاهد المشرّفة والمؤمن ونفس الايمان وخلفاء الله من الانبياء واوصيائهم (ع)، وما ورد وقيل من اختصاصها ههنا بمناسك الحجّ او البيت الحرام والبلد الحرام والشّهر الحرام بقرينة ذكرها فى ذيل آية الحجّ انّما هو بيان للمنظور وتخصيص له والاّ فمفهومها عامّ وبعمومه ورد، لكنّ المقصود المنظور فى ذلك المقام هو هذه المذكورات { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } اى فالتّعظيم خيرٌ له من ترك التّعظيم لا من هتك الحرمة فانّه شرّ له او الخير منسلخ عن معنى التّفضيل { عِندَ رَبِّهِ } لانّ تعظيم الحرمات قلّما ينفكّ فى الدّنيا عن تلف الاموال او تعب الانفس { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ } اى الازواج الثّمانية { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } اى تحريمه من الميتة وما اهلّ لغير الله به والمنخنقة (الى آخر الآية) ومن البحيرة والسّائبة (الى آخر الآية) { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ } الرّجس بكسر الرّاء وسكون الجيم وبالتّحريك وبفتح الرّاء وكسر الجيم القذر والمأثم وكلّ ما استقذر من العمل، والعمل المؤدّى الى العذاب والشّكّ والعقاب والغضب ويصحّ التّفسير بكلّ، ويكون معنى من فى قوله تعالى { مِنَ ٱلأَوْثَانِ } فى كلّ مناسباً له، وفسّر الرّجس من الاوثان فى الخبر بالشّطرنج { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } تكرار الامر بالاجتناب للاشعار بانّ كلاًّ مأمور باجتنابه على حياله، والزّور بالضّمّ الكذب والشّرك بالله ومجلس الغناء ونفس الغناء وما يعبد من دون الله وقد فسّر الآية بشهادة الزّور وبمطلق القول الكذب وبما كان المشركون يقولونه فى تلبيتهم من قولهم لبّيك لا شريك لك الاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك وبالغناء وسائر الاقوال الملهية، وفى الاخبار تصريح ببعضها والحقّ انّه لا اختصاص للوثن بالصّنم المصنوع بل كلّما ينظر اليه ويتعلّق القلب به فهو وثن للنّفس بل كلّ هوىً واقتضاءٍ من النّفس وكلّ رأىٍ وانانيّةٍ منها صنمها، ولا اختصاص للقول المسبّب او السّبب للزّور والانحراف عن الحقّ بالغناء وشهادة الزّور بل افعال القوى النّباتيّة والحيوانيّة والانسانيّة وآثار الاعضاء البدنيّة وادراك المدارك الظّاهرة والباطنة والاحوال والاخلاق النّفسانيّة والخطرات القلبيّة وتصرّفات الواهمة كلّها اقوال القوى، فاذا كان هذه على سبيل الاستقامة الانسانيّة يعنى كانت متّصلة بطريق الولاية او منتهية اليها كانت اقوال الصّدق، واذا لم تكن على ذلك كانت اقوال الزّور كائنة ما كانت؛ وعلى هذا كان المعنى فاجتنبوا الرّجس الّذى هو انانيّة النّفس الّتى هى صنمها الحقيقىّ وكلّما يتبعها من الاهوية الكاسدة والمعبودات الباطلة والمنظورات الفانية، واجتنبوا كلّ قولٍ او فعلٍ او خاطرٍ او خيالٍ او تخيّلٍ يكون سبب الانحراف عن الحقّ او مسبّباً عن الانحراف، ولمّا كان الاجتناب قيداً وريناً للنّفس وحاصلاً لها من انانيّةٍ ما، ومورثاً لانانيّةٍ اخرى اذا كان بالتفاتٍ من النّفس وهوىً منها والمطلوب التّجرّد من الانانيّة مطلقةً والتّطهّر من الهوى ولو كان هوى التّقرّب الى الله.