الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } * { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً }

{ قَالَ } اذا سوّلت لك نفسك { فَٱذْهَبْ } من عندى، او من دينى، او من البلد، او من بين النّاس { فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ } الدّنيا { أَن تَقُولَ } اذا رأيت احداً من النّاس { لاَ مِسَاسَ } عقوبةً على فعلك وذلك لانّه اذا ماسّك احد حممت انت ومن مسّك كما قيل، وقيل: كان هذا باقياً فى اولاده اذا ماسّ واحداً منهم احد من النّاس حمّا، وقيل: انّ موسى (ع) امر النّاس بامر الله تعالى ان لا يخالطوه ولا يؤانسوه ولا يؤاكلوه تضييقاً عليه فصار السّامرىّ يهيم فى البرّيّة مع الوحش والسّباع { وَإِنَّ لَكَ } اى لعذابك { مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } يعنى لن يخلف الله ذلك الوعد لك، هذا على قراءة البناء للمفعول وامّا على قراءة البناء للفاعل من باب الافعال فالمعنى لن تخلف انت ذلك الموعد وتنجزه، وقرئ بالنّون على حكاية قول الله تعالى، او على جعل نفسه (ع) بمنزلة الله تعالى لكونه رسولاً منه وكون قوله وفعله قول الله وفعله { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } اى مقيماً على عبادته { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } قرئ من باب التّفعيل بمعنى احراقه بالنّار، وقرئ لنحرقنّه من حرقه يحرقه من باب نصر بمعنى برده وحكّ بعضه ببعضٍ وعلى الاوّل يدلّ الاحراق على انّه صار حيواناً كما روى انّه بعدما ذرّ التّراب عليه تحرّك واشعروا وبروخار، وعلى الثّانى يدلّ برده على انّه كان باقياً على ذهبيّته { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ } لنذرينّه { فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ } مستأنفة جواب للسّؤال عن علّة الحكم والمعنى نحرقه لانّه ليس آلهاً وانّما آلهكم الله الى المسمّى بالله الدّائر على السنة الجميع { ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } وهو صفة بيانيّة وتصريح بحصر الالهة فيه ونفى الالهة من غيره { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } وهو كناية عن احاطة علمه بالاشياء ولمّا كان علمه تعالى ذا مراتب ومرتبة منه عين ذاته وهى مرتبة الغيب الّتى لا خبر عنها ولا اثر فلا كلام لنا فيها، ومرتبة منه فعله الّذى يعبّر عنها بالمشيّة والحقّ المخلوق به وتلك جامع لجميع الموجودات بوجوداتها لا بحدودها وتعيّناتها، فانّ الحدود والتّعيّنات اعدام لا طريق لها الى ذلك العالم ومرتبة منه الاقلام العالية وحكمها حكم المشيّة، ومرتبة منه النّفوس الكلّيّة، ومرتبة منه النّفوس الجزئيّة، ومرتبة منه الوجودات الطّبيعيّة، وكلّ مرتبة من المراتب العالية علم له تعالى بجميع ما دونها فأنّ جميع ما دونها مجتمعة بوجوداتها لا بحدودها فى المرتبه العالية، وكما انّها علم بجميع ما دونها علم له تعالى بنفس تلك المرتبة، وكونها علماً بما دونها هو العلم السّابق على المعلوم، وكونها علماً بنفسها هو العلم الّذى يكون مع المعلوم، وعالم الطّبع بوجوده علم له تعالى بالعلم الّذي يكون مع المعلوم فكلّ شيءٍ معلوم له تعالى بالعلوم السّابقة ومعلوم له تعالى بوجوده الخاصّ به الّذى هو علمه تعالى به.