الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }

{ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا } الخداع والمخادعة والخدع بفتح الفاء وبكسرها مصادر، والخديعة اسم للمصدر والخدع ان تظهر الاحسان وتبطن الاساءة او تظهر الموافقة مع ابطان المخالفة، او تظهر الاعراض مع ابطان التعرّض، والخداع مصدر خادع بمعنى خدع او للمشاركة او للمبالغة فانّهم باظهارهم الايمان يظهرون الموافقة مع ابطانهم المخالفة والله تعالى بامهالهم فى الخديعة والانعام عليهم كأنّه يريهم الاعراض والاحسان مع انّه يخفى التّعرّض والاساءة والرّسول والمؤمنون بمداراتهم معهم يظهرون الموافقة مع علمهم بالمخالفة منهم باطناً وابطانهم المخالفة وكأنّهم يغالبون الله والرّسول والمؤمنين فى الخديعة، و المراد بالله واجد الوجود او الرّسول (ص) او علىٌّ (ع) لانّ آلهيّته تعالى شأنه ظهرت بهما { وَمَا يَخْدَعُونَ } قرء يخدعون بالبناء للفاعل والمفعول ويخادعون كذلك ويخدّعون من التّفعيل ويخدّعون من الافتعال { إِلاَّ أَنْفُسَهُم } فانّهم بمخادعة الرّسول والمؤمنين يضرّون بأنفسهم ويحسبون أنّهم يحسنون صنعاً لأنّهم ينزلون أنفسهم عن مقاماتهم الانسانيّة المقتضية للصّدق والمحبّة والانس الى الشّيطانيّة المقتضية للكذب والبغض والتوحّش ويقطعون عمّا يجب ان يوصل ويصلون الى ما يجب ان يقطع منه من الرّسول والشّيطان، والنّفس تطلق على ذات الشيء وعلى النّفس الانسانيّة الّتى هى النّفس الحيوانيّة المستضيئة بنور العقل؛ ويجوز ارادتهما من الانفس هاهنا، وعلى النّفس الحيوانيّة، وعلى النفس النّباتيّة، وعلى الدّم لمناسبة ما بين تلك الانفس والدّم، وعلى مراتب النّفس الانسانيّة من الأمّارة واللّوّامة والمطمئنّة، وامّا تفسيرها بالامام فى أمثال: " من عرف نفسه فقد عرف ربّه، وأعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه " ، واعرف نفسك تعرف ربّك؛ فانّما هو لكون الامام ذات كل شيئٍ ولا سيّما ذات من بايع معه وقبل ولايته { وَمَا يَشْعُرُونَ } ما يعلمون او يتفطّنون او يحسّون بالمدارك وكأنّه اراد به احد المعنيين الاخيرين حتّى يكون مع ما يأتى من قوله ولكن لا يعلمون تأسيساً، وكثيرا ما يستعمل الشعور فى الالتفات الى المدرك، والمقصود انّ خداعهم لأنفسهم من كثرة ظهوره كأنّه محسوس بالحواسّ الظّاهرة، وعدم ادراكهم له مع ظهوره من عدم التفاتهم وشعورهم مثل من يقع ابصاره على المرئىّ لكن لشدّة اشتغال النّفس بامر آخر لا يشعر بادراكه ولم يأت هاهنا باداة الاستدراك كما أتى بها فيما بعد من قوله ولكن لا يشعرون وقوله { وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } لانّه تعالى جرى فى مخاطباته على طريقة المخاطبات الانسانيّة والاغلب انّ المتكلّم فى اوّل ذكر ذمائم المذموم لا يكون غضبه شديداً فلا يناسبه البسط والتأكيد والتّغليظ ولذا لم يؤكّد الكلام السّابق عليه بخلاف ما يأتى، والمخاطب فى اوّل الكلام يكون خالى الذّهن عن الرّدّ والشّكّ والقبول وعن توهّم الخلاف والوفاق فلا يناسبه التأكيد واداة الاستدراك أيضاً.