الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }

{ خَتَمَ ٱللَّهُ } خبر بعد خبر او حال او استئناف فى مقام التعليل او فى مقام الدّعاء والختم الطّبع ختم الكتاب والاناء وختم على الكتاب طبع عليه بخاتمه او بشيئ مثل الخاتم بحيث اذا فتح لا يمكن ختمه الاّ بمثل ذلك وختم الكتاب بلغ آخره فى قراءته.

تحقيق مراتب القلب واطلاقاته وتحقيق ختم القلب والبصر

{ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ } جمع القلب والقلب يطلق على القلب الصّنوبرىّ اللحمىّ وعلى النّفس الانسانيّة الّتى هى برزخ بين عالم الجنّة والشّياطين وبين عالم الملائكة وهى الّتى يعبّر عنها بالصّدر منشرحاً بالكفر او الاسلام او غير منشرح بشيئ منهما ويعبّر عنها بالاعتبارات بالنّفس الامّارة واللّوامة والمطمئنّة ويطلق على المرتبة الّتى بين هذه النّفس والعقل ويدرك الانسان فى تلك المرتبة شيئاً من حقائق علومه وثمرات اعماله ويتشأنّ بشؤنات علومه وأعماله ولذا قيل انّ القلب معدن المشاهدة اى مشاهدة شيئ جزئىٍّ من حقائق العلوم والاعمال، والى هذا اشار تعالى بقوله:إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ق:37] فانّ المراد بمن كان له قلب من كان متحقّقاً ومشاهداً لشيء يسير من حقائق علمه وعمله وخارجاً من التّقليد الصّرف داخلاً فى تحقيقٍ ما، ويطلق على اللّطيفة السّيارة الانسانيّة وعلى المرتبة الرّوحانيّة من الانسان من دون اعتبار مرتبة خاصّة، ويسمّى القلب قلباً لتقلّبه بين عالمى الملائكة والشّياطين وتقلّبه فى العلوم والاحوال وفى الشؤن والاطوار، والمراد بالقلوب هاهنا هى النّفوس الانسانيّة، وجمع القلوب امّا باعتبار جمعيّة المضاف اليه او باعتبار كلّ واحد من المضاف اليه اى ختم الله على قلب كلّ منهم او على قلوب كلّ منهم نظير كلّ قلب متكبّر جبّار على قراءة اضافة القلب الى متكبّر جبّار فانّ النّفس الانسانيّة ذات شؤن كثيرة كدارٍ ذات بيوت كثيرة فى طبقة واحدة، وذات مراتب كثيرة بعضها فوق بعضٍ كدارٍ ذات بيوت بعضها فوق بعضٍ وكلّ شأنٍ او مرتبة منها يسمّى قلباً، والقلب لمّا كان واقعاً بين مصرى الاشقياء والسّعداء ومحّلاً للجنود العقليّة والجهليّة، وله بابان الى مصر السّعداء والاشقياء قال تعالى: ختم الله على ابواب قلوبهم الى مصر السّعداء حتّى لا يتمكّن أحدٌ من الدّخول والخروج من تلك الابواب وختم تلك الابواب ملازم لفتح ابواب العالم السّفلىّ، واطلاق الختم للاشارة الى أنّ باب القلب هو الباب الّذى الى العالم العلوىّ وأمّا بابه الى العالم السّفلىّ فليس باباً للقلب حقيقةً، ونسبة الختم اليه تعالى كنسبة الاضلال لا يستلزم جبراً لانّ الختم من شعب الرّحمة الرّحمانيّة الّتى تختلف باعتبار القابل فانّ الرّحمة الرّحمانيّة كشعاع الشّمس الّذى يبيّض ثوب القصّار ويسوّد وجهه ويطيّب ريح الورد وينتن ريح الغايط حسب استعداد القابل واقتضائه وسيأتى تمام الكلام فيه ان شاء الله فى موضعٍ آخر.

السابقالتالي
2