الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ }

{ وَٱسْتَعِينُواْ } فيما ذكر من الوفاء بالعهد الى آخر ما ذكر او فى خصوص تطهير النّفس وأمر الغير بالبرّ او فى جملة الأمور من الانتهاء عن المناهى وامتثال المأمورات وحسن المُضىّ فى المصائب وحسن المعاشرة مع الخلق وتحصيل الرّاحة فى الدّنيا والآخرة { بِٱلصَّبْرِ } فانّه لا يتيسّر شيئٌ من المذكورات الاّ بالصّبر فانّه حبس النّفس عن الهيجان عند الغضب، وعن الطيش عند الشّهوة، وعن الجزع عند ورود المكاره، ومن استعان بالصّبر فى اموره لم يخرجه الغضب عن حقّ ولم يدخله الشّهوة فى باطل وهانت عليه المصائب فلم يكن اسيراً للشّهوة والغضب ولا جزوعاً عند مصيبته فكان فى الدّنيا فى راحة عن الاسر والجزع، وفى الآخرة فى اطلاق عن السّلاسل وفى نعمة عظيمة فى الجنان، ولم يمنعه الشّهوة والغضب ولا البلايا عن تزوّد معاده ولا عن مرمّة معامشه { وَٱلصَّلاَةِ } الصّلاة حقيقة من ولىّ الامر ولايته ومن غيره قبول ولاية ولىّ الامر كما انّ الزّكاة هى التّبرّى من غير ولىّ الامر ولذا كانت الصّلاة والزّكاة عمادى الدّين، ولم يكن شريعة من لدن آدم (ع) الاّ كانتا اساسيها، ولمّا كان القالب مسخّراً للقلب وكان اثر الصّفات القلبيّة يظهر على القالب كان للصّلاة والزّكاة فى كلّ شريعة صورة على القالب، ولمّا كانت الشّرائع بحسب اختلاف النّبوّات فى الكمال وبحسب اختلاف الازمان واستعداد اهلها مختلفة اختلفت صورة الصّلاة والزّكاة فى الشّرائع، ولمّا كانت شريعة محمّد (ص) باخبارهم اكمل الشّرائع كان صورة الصّلاة والزّكاة فى شريعته أكمل الصّور، وقد فسّر الصّبر فى الاخبار بالصّيام لكون الصّيام أكمل افراده وسبباً لحصول سائر، انواعه ولا غرو فى تفسيره بالرّسالة لكونها مانعة للنّفس بانذارها عن امضاء الغضب والشّهوة وعن الجزع عند المصيبة، وتفسيره بالرّسول لاتّحاده مع الرّسالة الّتى هى شأن من شؤنه واتّحاد كلّ ذى شأن مع شأنه كما لا غرو فى تفسير الصّلاة بعلىّ (ع) لكون الولاية شأناً منه واتّحاده مع شأنه، وعن الصّادق (ع) ما يمنع أحدكم اذا دخل عليه غم من غموم الدّنيا ان يتوضّأ ثمّ يدخل مسجده فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما اما سمعت الله تعالى يقول: { واستعينوا بالصّبر والصّلاة }. وعنه (ع) كان علىّ (ع) اذا هاله شيئٌ فزع الى الصّلاة ثمّ تلا هذه الآية { واستعينوا بالصّبر والصّلاة } { وَإِنَّهَا } اىّ الصّلاة كما يستنبط من الاخبار وقيل: الاستعانة بهما، وما فى تفسير الامام (ع) من قوله انّ هذه الفعلة من الصّلوات الخمس والصّلاة على محمّد (ص) وآله (ع) مع الانقياد لاوامرهم والايمان بسرّهم وعلانيتهم وترك معارضتهم بلم وكيف يدلّ على انّ الضّمير راجع الى الصّلاة وانّ المراد بالصّلاة الولاية الظّاهرة بالصّلوات الخمس والصّلاة على محمّد (ص) وآله (ع) والانقياد لاوامرهم وترك مخالفتهم { لَكَبِيرَةٌ } على كلّ احد لانّ الانسان ما لم يخرج من انانيّته ولم يستشعر بعظمة الله لا يتيسّر له الصّلوة الّتى هى الانقياد تحت أمر الله والتّسخّر له او الافعال المسبّبة عن الانقياد فانّ الانانيّة الّتى هى صفة الشّيطان والنّفس منافية للانقياد الّذى هو صفة الانسان { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } المتذلّلين تحت عظمة الله الخارجين من انانيّتهم وعظمتهم، والخشوع والخضوع والتّواضع الفاظٌ متقاربة المعنى فانّ الخشوع حالة حاصلة من الاستشعار بعظمة المتخشّع له مع محبّته والالتذاذ بوصالٍ ما منه ممزوجاً بألم الفراق؛ والخضوع تلك الحالة، لكنّ الاستشعار بالعظمة فى الخضوع اكثر منه فى الخشوع والمحبّة أخفى، والتّواضع تلك الحالة والعظمة اكثر والمحبّة اخفى بالنّسبة الى الخضوع.

السابقالتالي
2